البوّابات
لا أدري لماذا لا تنزاح من أمام ناظري صورة مُتَخَيَّلة لوالدتي الفقيدين الذين سقطا في كمين قبرشمون. لا، لم أر صورة لهما، وفي مُخيلتي، لا ملامح واضحة لهما. فقط، أمّان مفجوعتان بشابين في عمر الورد سقطا على بوابات الإقطاع والحقد والمضاربات الشخصية.
البوّابات، وما أدراك ما البوّابات في لبنان! للجبل بوابتان كبيرتان واحدة في المختارة، وثانية في خلده. ويوجد في الجاهلية بوابة أصغر تحاول اللحاق بهما. في مناطق الانتشار المسيحي داخل لبنان هناك بوابة كبيرة تحاول اختزال كل البوّابات اسمها التيار العوني. في بْشرّي/معراب بوابة اسمها القوات.
في زغرتا بوابة اسمها المردة. لبيروت بوابات تصغر وتكبر حسب من يدفع. بوابة جديدة اسمها الحريري، وأخرى قديمة اسمها سْلام. في الجنوب بوابتان، واحدة للمقاومة اسمها حزب الله، وثانية للبيزنس اسمها أمل. كذلك الامر في طرابلس والمتن وكسروان والبقاع. لبنان كانتونات. ولكل كانتون زواريبه ولكل زاروب بوابته ومفتاحه.
أَقْفَالُ البوّابات عندنا تعمل على التوازنات، مفاتيحها متفجرة، صواعقها سريعة الاشتعال. أي إخلال بالتوازنات يفجر البوّابة بمن فيها. أما التوازنات فهي توازنات احتكار الإقطاع بشقيه الزمني والروحي للأعمال والسلطة وحقوق النهب. حقوق نهب المواطنين وقتلهم علنا، كل يوم، بالرصاص أو بحوادث السير أو بالسرطان أو بالنفايات أو بنتائج الامتحانات.
أما الأمهات، فلهنّ الصبر، وصورٌّ على الحائط لشبان في عمر الورود، قضوا برصاص بوّابٍ، مثلهم، يحرس بوابة، كبوابتهم، ويمنع على من المغضوب عليهم حق الدخول.
في خطاب العودة، سنة 1947، وصف سعاده حالة لبنان كما يلي: “في حالة الاستقلال الحاضرة خرجت الأمة من “القواويش” التي كانت فيها. خرجت الأمة من الحبوس في داخل البناية التي أعدّها لها الاستعمار، ولكنها حتى الآن لا تزال ضمن السور الكبير الذي يحيط ببنايات السجن. نحن الآن خارج القواويش ولكننا لا نزال ضمن السور. الأبواب مفتوحة، التي إلى الداخل، أما التي إلى الخارج فلا يزال عليها السجانون وهم دائماً منا في الغالب.”
في حالتنا الحاضرة، عاد الناس – طوعا – إلى القواويش وأوصدوا الأبواب ووضعوا عليها السجانين. القواويش تضيق، والبوّابات تعصر الناس.
أما بوابة الأمل، تلك التي كان يفترض بها أن تلغي جميع البوّابات، وتفتح للوطن رحاب نهضة وحركة ونظام وقيم، أصبحت هي قاووشا، له بوابته وبوابوه وزبانيته والجلادين.