الاستجداء المذل
أمران لفتا نظري من جملة التطورات “السياسية” الحاصلة على الساحة القومية خلال الأسابيع القليلة الماضية. والاثنان ينتميان إلى فئة الذهول أو الاستهجان، سمّها ما شئت
الأمر الأول هو الاستجداء الرخيص الذي صدر عن أحد تنظيمات الحزب السوري القومي الاجتماعي من خلال سلسلة بيانات تمحورت بمجملها حول “حق الحزب في أن يكون ممثلاً في الحكومة اللبنانية”. كما وصدرت تلك البيانات عن جهات مختلفة تراوحت بين عمدة ورئاسة حزب، ناهيك بالتعليقات والآراء التي تقاذفها مسؤولو هذا التنظيم هنا وهناك.
الذهول والاستهجان هنا يكمنان في التالي:
- يقول “العميد” إن حكومة لبنانية بدون الحزب ستكون “حكومة محاصصة طائفية ومذهبية”، والسؤال الذي يكاد يقفز من رؤوس القوميين فوراً لينقر العميد في رأسه نقرات متتالية علّها توقظ فيه بعض “وعي” هو “لماذا يلهث حزب أنطون سعاده ويستجدي للانخراط في حكومة محاصصة طائفية ومذهبية؟” هل بات من مهام هذه القيادة أن تبحث عن أطر مؤسسات سياسية في الكيانات تقوم وتستمر وتتغذى وترضع حليب الطائفة والمذهب فتنخرط فيها باستجداء مذل؟
أولم يكن الأجدر والأجدى أن يعلن “العميد” أن الحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي أسسه سعاده على مبادئ صلبة كفصل الدين عن الدولة وإزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب، يطالب دولة الكيان اللبناني بتشكيل حكومة على أسس المواطنة والكفاءة والمساواة والقواعد العلمانية وليس على أسس المذهب والطائفة؟ وأن الحزب السوري القومي الاجتماعي يرفض المشاركة في هكذا حكومة لأنها بتركيبتها لا تعبر عمّا يقوم عليه حزبنا؟
هكذا يا حضرة “العميد” تكسب ثقة القوميين والمواطنين وترفع الحزب إلى المقام الذي يليق به.
- فيما يتعلق بالكيانية الضيقة التي سيطرت على هذا التنظيم (وباقي التنظيمات فعلاً)، فقد غاب العراق والأردن وغابت فلسطين وما يحاك في كواليس المطبخ الشامي عن اهتمامات “القادة” لتتركز على الحكومة اللبنانية برئاسة سعد الحريري، باحثة عن تبريرات “موضوعية ومعيارية” لحق التمثيل.
دماء مئات الشهداء والكثير من التضحيات، السبب المعياري في بيان رئاسة أحد التنظيمات، هي وديعة الأمة التي أعيدت في سبيل انتصار القضية وتحقيق غاية الحزب، وليست للمقايضة من أجل حقيبة وزارية في حكومة تقوم على أساس المحاصصة الطائفية، يا حضرة “الرئيس”.
الأمر الثاني يتعلق بالخضّات التي تناقلتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل اللاإجتماعي (حسب تعبير أسعد أبو خليل) نتيجة موجة استقالات ونزاعات وطلقات ولكمات حصلت، ولا تزال تحصل، في أحد تنظيمات الحزب هنا وهنالك. وما تميز في هذه الخضّات أنها جاءت، حسبما أشيع أو تم التداول به، نتيجة تحميل من هم في مراكز “القيادة” مسؤولية الأداء الفاشل لمرشحي الحزب في انتخابات الكيان اللبناني الأخيرة. فعزا بعضهم هذا الفشل إلى سوء في إدارة الماكنة الانتخابية أو سوء في قيام التحالفات والتفاهمات وغيرها من الأمور “الدارجة في كاتالوج مُوَض السياسة اللبنانية”.
هكذا، وبكل بساطة، تحولت معايير ومقاييس النجاح والفشل في حزب النهضة السورية القومية الاجتماعية الذي يقوم على عقيدة شاملة ونظرة أفقية وعامودية حول قيام الإنسان المجتمع على امتداد مساحة الوطن السوري، والذي يعمل على تحقيق غاية فيها من السمو والرقي والتجدد ما لا تجده في العالم أجمع، تحولت إلى ما إذا قد فاز ثلاثة أو أربعة أو خمسة مرشحين من الحزب في برلمان لبنان (الكيان المصطنع) القائم على أساس التمثيل الطائفي والمذهبي.
الحزب منقسم إلى أربعة تنظيمات. لا ضير.
القوميون يتناحرون ويتناظرون ويتقاتلون. لا مشكلة.
النيران تستعر في مؤسسات هشة دون رقيب أو خفير. لا بأس.
القوميون منقسمون في جميع كيانات الأمة وهم عرضة لأجهزة المخابرات فيها. تكتيك سياسي.
القيادات تحولت إلى مضرب مثل ومضحكة بين المواطنين. أمر طبيعي هذه الأيام.
المنفذيات متآكلة والمديريات مشتتة. ليست أزمة.
أداء الحزب فاشل في الانتخابات اللبنانية. أقيموا الدنيا ولا تقعدوها. تقاتلوا.. تذابحوا.. استقيلوا.. أُقيلوا.. أعلنوا العصيان!
إذا كان المنزل يشتعل وألسنة النار تلتهمه، هل ينصرف صاحب المنزل إلى تحليل التربة في حديقته؟ هل يدرس الأحوال المناخية ودرجات الحرارة المحيطة بالمنزل؟ هل يبدأ بالتخطيط لبناء مسبح في الفناء الخلفي؟
من ير منزله يحترق يفعل فعلاً واحداً فقط لا غير: يخمد الحريق.