1

الأخبار الملفّقة -Fake News

اسامه المهتار

هذا المصطلح هو من التعابير المفضلة لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إذ يهاجم وسائل الإعلام التي يعتبرها معادية له ولسياساته. ولكن هذا المصطلح ينطبق إلى حد كبير على عدد من القصص التي يتم التداول بها، وخلق الروايات والأساطير حولها في عالمنا العربي. بعض هذه القصص يُختلق لسبب سياسي، وينتشر بعامل الجهل أو الكسل. ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وعشوائية الأخبار وعدم الاهتمام بصحّة مصادرها، تتفاقم الأمور، ويلتهي الناس في الاختلاف على أخبار ملفقة. سوف نتناول في ما يلي أبرز ما لفت نظرنا على وسائل التواصل الاجتماعي.

هنري كيسنجر وطبول الحرب

إذا قام أحدنا بإجراء بحث على “غوغل” كما يلي: “هنري كيسنجر، إذا كنت لا تسمع قرع طبول الحرب…”، فسوف يدخل إلى صفحة مليئة بالروابط إلى مقالات في صحف عربية وأفلام عربية كلها تحلل حديث كيسنجر المنشور في مجلة بريطانية اسمها “دايلي سْكويب” Daily Squib. ملخص المقال أن الحرب العالمية الثالثة قادمة لا محالة، وأنها سوف تبدأ في إيران. ويتضمن درراً مثل هذه: “تحكم بالنفط، تتحكم بالأمم. تحكم بالطعام، تتحكم بالشعوب”.

لا شك في أن المقال قد نشر في المجلة المذكورة، وتاريخه هو 27 تشرين الثاني 2011 بقلم ألفرد هاينز. وعنها تناقلته الصحف ووسائل الإعلام العربية. المشكلة ليست هنا، المشكلة أن هذه المجلة هي مجلة ساخرة ناقدة تمتهن اختلاق الأخبار بهدف السخرية من السياسيين والسياسة في شكل عام، وأن الحديث المنشور على لسان كيسنجر مختلق من أساسه. إليكم ما تقوله ويكيبيديا عن هذه المجلة: “الدايلي سكويب” هي مجلة ساخرة تأسست سنة 2007″. أما إذا دخل القارئ إلى صفحة Home/About على موقع المجلة المذكورة، فإنه سيجد قصة أغرب من الخيال ولا أساس لها من الصحة عن كيفية تأسيس المجلة.

المهم، المجلة نشرت قصة خيالية عن تصريح لكيسنجر، فتلقفته الصحافة العربية بما فيها صحيفة الأهرام العريقة، وعلّقت عليه وإن يكن مع بعض التساؤل عن صحته وذكرت أن المجلة ساخرة. ولكنها استخدمت المقال بصفته مُعَبِّراً عن وجهة نظر الغرب.

مؤتمر كامبل – بانرمان لسنة 1907

“لا تنسوا عام 1907. أوصيكم، أوصيكم، أوصيكم، وأنتم وأبناؤكم ألاّ تنسوا عام 1907”.

ترى، ما الذي حدث في ذلك العام حتى يطلق الدكتور عبد الرحمن بن عبداللطيف العُصيل، أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية والتاريخ المعاصر المساعد بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، هذا النداء الحار؟ “إنه مؤتمر آخر نجني الآن ثماره المرّة”. هكذا يقول الدكتور عبد الرحمن. فما هو هذا المؤتمر؟ إنه مؤتمر كامبل – بانرمان لسنة 1907.

 ندخل إلى موقع يوتيوب ونقوم ببحث عن كلمتين: كامبل – بانرمان، ونفعل الشيء نفسه مع غوغل، فماذا نجد؟ نجد عشرات الأفلام والمقالات التي تتحدث وتصف بالتفصيل ما دار في أروقة مؤتمر كولونيالي بزعامة رئيس الوزراء البريطاني كامبل – بانرمان عقد سنة 1905 وحضره عدد من الدول الأوروبية باستثناء ألمانيا، واستمر لمدة سنتين حيث انتهى وصدرت مقرراته سنة 1907، وقضت بتقسيم العالم العربي ووقف تطوره، وزرع جسم غريب فيه! أكثر الأفلام عاطفية وفيه الكثير من الشحن والتوجيه لجيل الشباب بدراسة مقررات مؤتمر بانرمان، هو فيلم الدكتور العصيل آنف الذكر.

حين تقرأ مثل هذا الخبر، وبالشكل المثير الذي يستخدمه سواء الكتّاب أو من قام بصناعة أفلام عن المؤتمر، فإن السؤال الأول الذي يتبادر إلى الذهن هو: هل هذا حقيقة أم خيال؟ وهذا ما حاولنا التقصّي عنه. في ما يلي خلاصة النتائج دونما دخول في تفاصيل البحث المضنية.

بحثنا عن التقرير فوجدناه، ووجدنا الكثير من المعلومات عن مؤتمر كامبل – بانرمان، ولكن ليس فيها ما يمت بصلة إلى تقسيم العالم العربي. هذه بعض الحقائق التي وجدناها: نعم تم عقد مؤتمر كولونيالي سنة 1907 برئاسة بانرمان نفسه، حضره، وهنا المفاجأة الأولى، مندوبون عن بريطانيا والمستعمرات البريطانية مثل كندا وأستراليا ونيو فوندلاند ونيو زيلندة والكايب والناتال، ولكن لم تحضره أية دولة أوروبية. الهدف من المؤتمر كان تمتين الروابط الاقتصادية بين المستعمرات البريطانية وبينها وبين بريطانيا. وكذلك توحيد بعض التعريفات الجمركية وسواها. تمتد وقائع المؤتمر على 622 صفحة ليس فيها أي ذكر لكلمة Arab، في حين تمر كلمة Egypt مرة واحدة وقناة السويس حوالي العشرين مرة. ويمر ذكر كل من المغرب والجزائر مرتين، أما تونس فمرة واحدة، وكلها في معرض عرض مقارن للتعريفات التي تضعها فرنسا على منتجات مستعمراتها.  كلمة الخليج ترد مرة واحدة، ولكنه خليج سان لورانس في مستعمرة كندا. أما سورية والعراق وفلسطين ومُسقط وعدن أو اليمن أو عبر الأردن فلا ذكر لها. يمكن لمن يهمه الأمر قراءة وقائع المؤتمر هنا.

المفاجأة الثانية هي أن ما يسمى بالمؤتمر الكولونيالي هذا، والذي يفترض أنه كان مؤتمراً لتغيير مجرى العالم العربي، كان حدثاً دورياً يعقد مرة كل بضع سنوات، يحضره مندوبون عن بريطانيا ومستعمراتها. وقد عقد أول مؤتمر تحت هذا المسمى سنة 1887 وآخرها سنة 1937.

بين الوثائق والأفلام العديدة التي قمنا بمراجعتها هناك بعض الوثائق والأفلام التي شككت بالمؤتمر، اخترنا نموذجين عنها. يمكن مراجعة الفيلم هنا، والمقالة هنا.

الأم اليهودية

لم يبق من رئيس دولة عربية تقريباً لم تطله نسبة أم يهودية أو نسبٍ يهوديٍ ما يعود إليه. فمن عبد الناصر إلى عرفات والقذافي وصدام حسين، إلى حسن البنا، ووصولاً إلى كمال أتاتورك وحتى أحمدي نجاد. كلهم ذوو أصول يهودية. هناك مقال في صحيفة “الحياة” للكاتب زياد الدريس يعالج فيه هذا الموضوع، عنوانه “في مسألة أن فلاناً أصله يهودي“.

النشيد الإسرائيلي

ومنذ فترة قصيرة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي قصيدة على أنها النشيد الوطني لدولة العدو الإسرائيلي. قرأنا النشيد، فاستغربنا خاتمته. ليس لأن العدو لم يقم بما يرد في النشيد، فالتوراة فيها أمور أخطر من هذه بكثير. استغربنا لأننا لا نرى مصلحة للعدو في الإعلان عن هكذا أعمال. هذا هو النشيد كما ورد على صفحات التواصل الاجتماعي:

طالما تكمن في القلب نفس يهودية
تتوق للأمام ، نحو الشرق
أملنا لم يصنع بعد
حلم ألف عام على أرضنا
أرض صهيون وأورشليم
ليرتعد من هو عدو لنا
ليرتعد كل سكان كنعان
ليرتعد سكان (بابل)
ليخيم على سمائهم الذعر والرعب
حين نغرس رماحنا في صدورهم
ونرى دماءهم التي أريقت
ورؤوسهم المقطوعة
وعندئذ شعب الله المختار إلى حيث أراد الله!

ذهبنا إلى أكثر من موقع باللغة الإنكليزية والعربية، فأجمعت كلها على أن مطلع النشيد صحيح ولكن ليس خاتمته. أما كلمات النشيد، فهي كالتالي:

طالما في القلب تكمن،
نفس يهودية تتوق،
وللأمام نحو الشرق،
عين تنظر إلى صهيون.

أملنا لم يضع بعد،
أمل عمره ألفا سنة،
أن نكون أمّة حرّة في بلادنا،
بلاد صهيون وأورشليم.

هذا وقد أضاف بعض المترجمين كلمة “القدس” بعد كلمة أورشاليم مع أنها لا ترد في الأصل.

هذه بعض نماذج من أخبار مختلقة كلياً أو جزئياً يصار إلى تداولها بشكل واسع على شبكات التواصل الاجتماعي وكأنها حقائق. نحن لا ننفي أن بعض هذه الأكاذيب ينطلق من أرضية صحيحة، ولكنها أكاذيب لا يجوز التعامل معها كأخبار حقيقية وموثوقة. ثمة خطر في تداول مثل هذه الأخبار، والخطر هو خضوعنا لمنطق المؤامرة التي لا ترد، فنكتفي بلعنها والسلام.