1

ارتفاع معدل الجرائم وانخفاض مستوى الأمن الغذائي!

شام قطريب

بغض النظر عن الاحصائيات الرسمية والخاصة، فإن عشر سنين من الحرب، تركت الكثير من الكوارث في حياة السوريين من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويلزمها زمن طويل وتخطيط استراتيجي بعيد المدى حتى يمكن الخلاص منها. ويكفي أن نعرف أن أعلى معدل للرواتب في المؤسسات العامة لا يتجاوز ثلاثين دولارًا، حتى نتأكد أن ارتفاع نسبة الجرائم بمختلف أنواعها شأن طبيعي وحتمي. فما هو المتوقع في واقع يشير إلى وجود تسعين بالمئة من الشعب تحت خط الفقر؟

ازدهر الاتجار بالبشر خلال السنوات الماضية بشكل كبير، ولا نعني الاتجار بالأعضاء التي يمكن أن نفرد لها بحثًا خاصًا، بل نقصد انتشار أسلوب الخطف وطلب الفدية من الأهل لقاء إطلاق الضحية. فقد أعادت قصة الطفل المختطف فواز قطيفان هذه القضية إلى الواجهة خاصة أن المبلغ الذي طلبه الخاطفون وصل إلى 700 مليون ليرة سورية وهو رقم فلكي بالنسبة لأي سوري في هذه المرحلة. كما تسبب الفيديو الخاص بتعذيب الطفل وضربه من قبل خاطفيه، رغم مناشدته لهم بألا يضربوه، الكثير من الغضب الشعبي من أجل إيجاد حل لهذه الظاهرة التي أصبحت مصدرًا لكسب المال خاصة في المناطق التي مازالت تنتشر فيها فوضى المجموعات المسلحة والسلاح بشكل عشوائي.

تبعًا لتقرير نشره موقع موقع “Numbeo Crime Index”  فإن سورية تتصدر قائمة الدول العربية في قائمة انتشار الجريمة، وتأتي في المرتبة التاسعة عالميًا. تسبقها غينيا الجديدة وجنوب أفريقيا وأفغانستان والهندوراس وترينيداد وتوباغو والسلفادور وغويانا، ورغم أن رئيس فرع التسجيل الجنائي في إدارة الأمن الجنائي العميد بسام سليم كان قد تحدث عن انخفاض نسبة جرائم القتل المسجلة خلال العام 2020، مقارنةً بعام 2019، كما أيده في ذلك رئيس الهيئة العامة للطب الشرعي زاهر حجو عندما قال إن سورية لا يوجد فيها جريمة منظمة، أي لا يوجد عقلية إجرامية لدى المجتمع، وإن 70% من الجرائم تحدث في المناطق التي كانت تحت سيطرة المسلحين واستعادها الجيش، وذكر مثال أن معظم الجرائم في حلب تحدث في المناطق الشرقية التي كانت تحت سيطرة المسلحين لأن الأهالي رأوا كل ظروف الإجرام وتساوى لديهم مفهوم الحياة بالموت، إلا أن ما يلمسه الناس على أرض الواقع يشير إلى مخاوف حقيقية باتت تحدق بالمجتمع السوري، سواء تحدثنا عن جرايم القتل أو الخطف أو السرقة، لا سيما أن المجرمين باتوا يبتكرون في اتباع الأساليب المضللة للإيقاع بالضحايا، وكان آخرها تنكّر بعضهم بهيئة عمال صيانة تابعين لشركة الكهرباء يدخلون إلى المنازل ثم يقومون بارتكاب جرائمهم.

من غير الممكن فصل انتشار الجريمة عن مستوى الدخل وارتفاع معدل البطالة والفقر وزيادة عدد المتسربين من المدارس وتفاقم ظاهرة التشرد والتسول في الشوارع، فهذه العناوين تبدو مرتبطة وتتناسب طردًا بحيث لا يمكن فصل أحدها عن الآخر. ورغم إقرارنا بصحة الآراء القائلة بضرورة تلازم الحلول المادية مع الثقافية لحل تلك المعضلات، إلا أن الجانب الاقتصادي يأخذ الدور المحوري في هذه القضايا، خاصة بعد اتجاه الحكومة السورية نحو سياسة إلغاء الدعم عن المواد الاستهلاكية الأساسية وعلى رأسها الخبز والمحروقات الأمر الذي فاقم من قلق الناس تجاه حياتهم المستقبلية.

من الظواهر التي يمكن الاسترشاد بها لمعرفة واقع الحال، انتشار أنواع جديدة من الجرائم التي لم تكن مألوفة في المجتمع السوري، ومثالها سرقة خطوط الهاتف وكوابل الكهرباء وبطاريات الطاقة الشمسية المخصصة لإنارة الشوارع التي يتطلب الوصول إليها تسلق عدة أمتار صعبة على عمود الكهرباء! عدا عن انتشار ظاهرة سرقة عدادات الكهرباء وموتورات المياه في مداخل البنايات وكذلك عجلات وبطاريات السيارات المركونة في الحارات والشوارع العامة! هذه السلة الكبيرة من العناوين المخيفة تؤكد وجود معاناة خطيرة على صعيد حياة المواطن وغذائه وطبابته وتعليمه وفرص العمل المتاحة أمامه.

من غير الممكن الحديث عن خفض نسبة انتشار الجرائم بمختلف أنواعها، بمعزل عن رفع دخل المواطن وتحسين أمنه الغذائي وظروف معيشته بشكل عام، فمن دون تلك المقومات الأساسية يصبح الكلام عن أثر التربية ونشر الوعي ضربًا من العبث بالنسبة لأناسٍ غير قادرين على تأمين لقمة عيشهم وينتابهم الخوف حول مستقبل أبنائهم ومدى قدرتهم على توفير الحياة الكريمة لهم.

طبقًا لتقرير برنامج الغذائي العالمي الصادر العام الماضي، فإن نحو 12.4 مليون مواطن يعانون من انعدام الأمن الغذائي – بزيادة قدرها 4.5 مليون شخص عن العام الذي سبقه. تلك الأرقام تبدو مرعبة وتدعو إلى التشاؤم على بقية الصعد المتصلة بانتشار الجريمة، حيث يصف التقرير الأممي مدى معاناة الآباء في تأمين لقمة عيش أبنائهم إضافة إلى ضمان أمنهم وسلامتهم الشخصية. 

لاشك أن إزالة الكوارث التي حصلت خلال الحرب، يحتاج عقودًا طويلة من العمل الجاد ضمن ورش تعمل ليل نهار على جميع الصعد الاقتصادية والثقافية والتربوية، يكون عمادها الأساسي مكافحة الفساد والشفافية وزيادة الانتاج عبر تفعيل المشاريع الصغيرة الزراعية والصناعية، وبالتأكيد فإن النهوض ليس مستحيلاً عند أمة قدرها أن تنبعث دائمًا من الرماد مثل طائر الفينيق.