إطلاق التعابير المطلقة – الفرق بين المعنى التعييني والمعنى المطلق

image_pdfimage_print

ليكن سعاده المقياس والعقل لنا المتراس.

“هم اشتغلوا للحرية والاستقلال مطلقين، فخرج هذا الاشتغال عن العمل القومي بالمعنى الصحيح. أما أنا فأردت حرية أمتي واستقلال شعبي في بلادي، والفرق بين هذا المعنى التعييني والمعنى السابق المطلق المبهم واضح.” (ج8 ص31)

“التحديد شرط الوضوح”، قالها سعاده ولم يرثها إلا قلة من أتباعه. أما الورثة القانونيون غير الشرعيين، فهيمنوا واستأثروا، فلا هم أوضحوا ما عندهم ولا استوضحوا ما عند الآخرين، ولا حاولوا تحديد مسار الاحداث بوضوح كي يستخرجوا الخلاصات الحقيقية.

قنصوا، احتكروا، سايروا، انحرفوا، كوّعوا.

لم يصدّقهم أخصام الحزب، لم يصدّقهم الكاوبوي ورعاة البقر. صالحوهم على مائدة، دغدغوا أحلامهم، فصدقوا، سلخوا جلودهم حين قرع جرس الانذار.

ركضوا خلف البرق العابر، ظنوا أنهم يركضون خلف مواسم قطاف ما يريدون وما زرعوا هم، فتفاجأوا بالرعد والعواصف وشحّ المطر.

ساقتهم أحلامهم الى منصات ليست لهم، فوقعوا مع أول رقصة.

سكَّروا على غاية الحزب بمفاتيح من خشب الارز والنخيل والزيتون وليمون يافا. أقفلوا خزانة المبادئ، ركضوا خلف اللبننة والمركسة والانخراط في المنظمات الاقليمية والدولية، فلم يفسح لهم أحد فرصة التقدم الى الأمام فلحسوا المبرد.

مشوا وراء كل الشعارات، وصفقوا لكل المقولات الجديدة الجاذبة والبرّاقة،

أبهرتهم التحالفات فنسوا حال الحزب ولبسوا الأحوال التي تمنحهم بطاقات المرور الى الانخراط في هذه التحالفات، فكانوا صدى الاصوات بدلا من ان يكونوا الاصوات التي يصل صداها الى كل الناس.

بهرتهم المقاومة الفلسطينية فكانوا صدى لياسر عرفات، وكأنه لم يكن زعيمهم أول من حذرّ من الخطر اليهودي الصهيوني على بلادنا، ولم يكن حزبهم ورفقاءهم في طليعة المقاومة ومن المقاومين الأوائل.

أغرتهم شعارات الحركة الوطنية فانخرطوا في مشروعها وعلى القواعد التي رسمتها للأحداث اللبنانية وانشقوا بين مبهور بالنظام الشامي ومبهور بالحركة الوطنية التي تعمل عند ياسر عرفات.

خرجوا من المحلية الى الاقليمية والمؤسسات الدولية، هربا من خوض التحديات المحلية الوطنية والقومية، وزعموا أنهم ينجزون انتصارات، وصفّق لهم بعض القوميين المؤمنين ورتل من الأتباع.

غاب التحديد، ضاع الوضوح، صرنا “أمشي على ما يقدّر الله” إذا لم نقل على ما قدّرت مراكز القوى.

لم يكن سعاده مع إطلاق الشعارات العامة بمعانيها المطلقة، ولم يكن سعاده مع الحديث عن الجماعة بأوصاف عامة ومطلقة.

اعتبر سعاده الكلام عن الاستقلال والحرية دون تحديد لا يحل مشكلة الاستقلال ولا مشكلة الحرية، لأنه لا يوجد تعيين واضح للحرية والاستقلال.

ورثة سعادة، القلّة، يلجؤون لتفسير الاحداث والظواهر التي تنشأ على قاعدتين: القاعدة الأولى، العقل الذي هو الشرع الأعلى؛ الثانية، القياس.

مما لا شك فيه أن الشعارات الكبيرة تسود زمن المفاصل التاريخية. وعندما يصبح العالم قرية، تصبح مصادر الشعارات أكثر من أعداد اليافطات. وتتداخل العناوين المعبّرة عن المصالح وتتشابك وتتناقض فيصبح الحدث صالة رقص، يرقص الجميع رقصات مختلفة فيتدافشون، ويتغامزون، ويبتسمون، ويعبسون، على طرائقهم الخاصة وحسب غاياتهم ومصالحهم النفسية والمادية، خاصة إذا كان مدير المصلحة مستقيلا من الادارة ومجيّرا صلاحياته لمساعديه من كل الجنسيات.

تشهد بلادنا مجموعة غزوات في وقت واحد متعددة الغايات والأهداف القريبة والقاصدة هدفا بعيدا واحدا هو القضاء على حيوية شعبنا وقدراته النفسية والمادية. ولم نر جبهة حقيقية مواجهة لهذه الغزوات.

أما ما نراه لا يخرج عن كونه تململا استطاع أن يواجه خطر الهزيمة الكبيرة حتى اللحظة. أصبح من الواجب ان نعتبر من أنطون سعاده ونأخذه قياسا لنعرف كيف نتعامل مع الاخطار التي تطوق الامة وتفعل فعلا شنيعا في أحشائها. علينا ان نخرج من التعميم والولوج الى أدّق التفاصيل.

ليست مهمتنا النقد والنقض، مهمتنا النقد والبناء. مهمتنا التحديد والتعيين كي نصل الى الوضح ونستنفر كل قوانا للانتصار معا، لا السقوط فردا فردا ولا السقوط معا.

لا نستطيع ان نكرر ما فعله السابقون.

 لا نستطيع أن نعيد نفس المشهد ونلعب نفس الدور ونحن غير الآخرين. لا نستطيع أن نمثل نفس المشهد وبلادنا على السكين. يجب ان لا نقول نعم قبل ان ننبش جد الجد. يجب ان لا نقول لا قبل أن نعرف من باض البيضة، فالخطوة محسوبة، فقد يكون بعدها المهوار أو يكون بعدها الجنائن الغنّاء.

تعيش بلادنا اليوم، كما كل يوم منذ مئات السنين، مخاض ولادة، فهل نكون على مستوى إنجاز العملية مهما كانت الصعوبات.

خلاصنا بالقياس، حيث سعاده واجه واستخلص وكتب فأصاب، خلاصنا بالعقل، حيث يأخذ الحدث، يدرسه يفرفطه ينظر الى أسبابه، الى جدواه، الى من سببه، الى مجريات وقائعه، إلى الفائدة من مشاركتنا الى النتائج المتوقعة.

خلاصنا بالعقل، لأنه يقرأ الشعارات يفكك رموزها، يكتشف أقلامها، يعرف من كتبها، ويقرر موقعنا منها.

خلاصنا بالعقل، لأنه به، نمسك القلم، نكتب اليافطة، نصنع الحدث ونقول هذا درب الخلاص. نقول هذا درب الخلاص، لأنه لا خلاص لبلادنا إلا بغاية الحزب السوري القومي الاجتماعي ومبادئه.

القوميون الاجتماعيون مدعوون لقراءة أوضاع حزبهم بعقلهم، وأوضاع بلادهم بعقلهم. القوميون الاجتماعيون، مدعوون لقراءة مشاكل بلادهم المتعددة من الاحتلال الى التجزئة الى الاقتصاد الى الاجتماع، ورسم الاهداف القريبة والبعيدة والانخراط في التفكير العملي، مدعوون أن يكون بعضهم لبعض كما قال زعيمهم.

أرادنا سعاده ان نبتعد عن المعاني الفضفاضة التي تُبعدنا عن بوصلة خدمة بلادنا. أرادنا ان ننهج بمنهاج المعنى التعييني. فليكن سعاده القدوة.

في هذا العدد<< راهنية سعاده والتحديات المعاصرة – أسامة عجاج المهتارالهوية السورية غير معروضة للبيع في البازار السياسي – قيس جرجس >>
0 0 votes
Article Rating

You may also like...

Subscribe
نبّهني عن
guest
1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
raymond
raymond
3 سنوات

the truth hurt ,but it will liberate you .where were you hiding?