أن نزرع الأمل – رئيس التحرير

image_pdfimage_print


مهمتنا، نحن السوريين القوميين الاجتماعيين ليس فقط أن نزرع الأمل، بل أن نسقيه ونصونه ونحولّه خططا وإنجازات تليق بطموحاتنا.

يحضرني هذا الكلام فيما أقرأ على صفحة رفيق عزيز رثائية محمود درويش “خطبة الهندي الأحمر – ما قبل الأخيرة” والتي قدّم لها رفيقنا بالقول، “إن صراع الحفاظ على الهوية هو صراع المهزوم، وعلينا أن نعترف أننا هُزمنا وخسرنا وأصبحت أكتافنا اليوم تنوء بحمل مسؤولية الحفاظ على ما تبقى من الهوية اليوم… ليبقى لجبل كنعان اسمه الكنعاني.”

هذا كلام ربما يكون صحيحا لو كان الفلسطينيون شعبا خالصا ولد وعاش ويُبَاد في أرض فلسطين التاريخية حصرا … ولو لم يكن هناك أنطون سعاده.

نقول لو أن فلسطين جزيرة معزولة دخلها قوم غرباء وأبادوا سكانها عندها يكون لرثائية محمود درويش قيمتها الجمالية. ولكن فلسطين ليست جزيرة ونحن لسنا أمة عاقر. لدينا أنطون سعاده، اسمعه يقول:

“… فيمكن، بعد هذا التأسيس المتين، أن تجزأ بلادنا إلى مئة دولة وأن نسمي كل دولة باسم نخترعه، ويمكن أن يحتل بلادنا أجنبي واحد أو أكثر من أجنبي واحد ويُقتسم وطننا بين دولتين أو أكثر. يمكن أن تنشأ في بلادنا أشكال سياسية كثيرة ويمكن أن تتبدل هذه الأشكال، لكن حقيقة واحدة تبقى ثابتة، هي حقيقة أمتنا وشخصيتنا القومية التي تغلب في الأخير على كل العوارض.”

مشكلة بعض القيادات الفلسطينية أنها أخذت بمنطق “الكتائب اللبنانية”، فأسست لكيانية فلسطينية لا تقل خطرا عن صنوها اللبنانية. وليس غريبا فيما الانعزالية اللبنانية تحتضر بعد مائة عام على تأسيسها أن تحتضر الانعزالية الفلسطينية بعد نصف قرن على تأسيسها أو أقل. لا يا رفيقي، إن ما يحتضر هو فلسطين عرفات وأوسلو وعباس وليس فلسطين سعاده والحزب السوري القومي الاجتماعي.

“تنظير”! أسمعك تقول. لنبحث في الواقع.

حسب تعداد المكتبة اليهودية الافتراضية يبلغ عدد اليهود في جميع أنحاء العالم، وفق إحصاء سنة 2019، أربعة عشر مليونا وسبعمائة ألف شخص. ستة وأربعون بالمائة (46.5%) منهم يعيشون في فلسطين لمحتلة وتسعة وثلاثون (38.8) في الولايات المتحدة والباقي موزع في مختلف دول العالم. يبلغ تعداد سكان الوطن السوري ما يقارب السبعين مليونا.

الفرق بيننا وبين السكان الأصليين في الولايات المتحدة وغيرها من الدول التي أبيدت شعوبها الأصلية، أنه بعد أن كُسر العمود الفقري العسكري لتلك الشعوب أغرقت بملايين الوافدين من مختلف أنحاء العالم فأصبح الأصليون أقلية لاجئة في بلادهم، يعيشون موتا بطيئا. هذه حقيقة.

ولكن هذه الحقيقة لا تنطبق علينا إلا إذا اعتبرنا أن فلسطين جزيرة معزولة. فحتى لو وفد جميع يهود العالم إلى فلسطين، بل إلى الوطن السوري كله، فإنهم يبقون أقلية عنصرية له دولة مثل دولة الأبارتيد في جنوب أفريقيا. ونحن نعرف ما كان مصير دولة الأبارتيد. لقد بادت.

في وضعنا الحالي، نحن نعيش وطأة أكثر من احتلال، بعضها إبادة ممنهجة، بعضها خارجي عسكري، وبعضها داخلي عميل، وبعضها يعود للفساد والسرقة. كلها مجتمعة، تجعل حياتنا، نحن السوريين، جحيما من بيروت إلى بغداد. هذه أيضا حقيقة. ولكن هذه الحقيقة قابلة للعكس، وبسرعة قياسية إذا… إذا قرر السوريون القوميون الاجتماعيون ذلك.

أسمعك تصرخ، “تنظيييير”! مرة ثانية. لنتابع البحث في الواقع.

الواقع أننا مرضى نرفض أخذ الدواء الشافي. كنا نداوي عللنا برقية من هنا ووصفة مغربي من هناك. جاءنا سعاده وشخص المرض ووصف الدواء، وقال إن ثمة شروطا ضرورية للشفاء منها الثبات ومنها إدراك عامل الزمن والوقت. أخذنا الدواء لبعض الوقت، ولكننا أهملنا الشروط الضرورية، فتراخينا، وعاد بعضنا إلى طلب الرقيات ووصفات المغربي. أهملنا قضيتنا وها نحن نبكي عليها.

العدو قوي، ما من شك. ولكنه يقوى أكثر حين نيأس ونبدأ بتلاوة المراثي لراحة نفس أمتنا عوضا من صرف الأسنان والثبات على طلب حقنا. إن فينا قوى كبيرة فاعلة، وهذا ما يجب علينا البحث عنه في داخلية كل واحد منا لعدم الاستسلام لليأس.

ولكن هذا لا يكفي. علينا أن نعيد استنهاض وتنظيم قوانا وأنفسنا بعد الانهيار الكبير الذي تعرض له الحزب. هذا ما تحاوله قلة من القوميين، وهذا ما يجب ان يكون التعويل عليه. من هذه القلة، من البذار الصالح، سوف نعيد بناء الأمل ومنه سنشيد خططنا لعكس مجرى التاريخ.

فلسطين ليست جزيرة معزولة ونحن شعب لن يرضخ للإبادة.

في هذا العدد<< قدسية الواجبيوميات لاجئ: “هاربون إلى تايلاند” >>
3.8 4 votes
Article Rating

You may also like...

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments