أزمة قيادة… أزمة أعضاء

image_pdfimage_print

احمد اصفهاني

جرت مؤخراً بيني وبين أحد الرفقاء المحترمين حوارات مكثفة حول الأزمة الراهنة في الحزب السوري القومي الاجتماعي: طبيعتها، أسبابها، نتائجها على الأمة، وكيفية الخروج منها. وفي حين كان الرفيق المحترم يركز على مسؤولية القيادات المتعاقبة في ما آل إليه وضع الحزب، حرصت من جهتي على الإشارة إلى وجوب تحميل القاعدة الحزبية جزءاً أساسياً من وصول تلك القيادات إلى سدة السلطة، وإحكام سيطرتها المطلقة على مقاليد الأمور، وإغلاق الأبواب أمام الأجيال الشابة، ثم فشل الصف الحزبي في تبيان الآليات الدستورية التي يمكن ان تُخرج الحزب من أزماته المتلاحقة منذ استشهاد مؤسسه وزعيمه.

ولمزيد من الإيضاح، وبهدف توسيع دائرة الحوار الموضوعي الصريح، لا بد من العودة إلى تاريخنا الحزبي القريب. في الرابع من آب سنة 1999، أي بعد إنهاء حالة الانقسام وانخراط الحزب في العمل السياسي اللبناني، رفع عميد الداخلية آنذاك الأمين أحمد هاشم تقريراً مفصلاً إلى رئاسة الحزب تناول فيه أوضاع الوحدات الحزبية بعد أن كان قد قام بجولات واسعة على فروع الحزب في الكيانين اللبناني والشامي.

إفتتح الأمين هاشم تقريره بخلاصة أوجزها على الشكل التالي: “نادراً ما يوجد فرع حزبي لا يطرح مسألة الثقة بقيادة الحزب. والقيادة التي أعنيها هنا ليست قيادة الحزب الحالية، بل مجموع القيادات المتعاقبة منذ استشهاد الزعيم وحتى تاريخه. لقد جرت مئات اللقاءات مع فروعنا الحزبية، مسؤولين وأعضاء. وفي أكثرية اللقاءات كانت تطرح أزمة الثقة حتى ولو كان موضوع الاجتماع لا علاقة له بتاتاً بهذا الأمر. فالشأن الإداري خلله عائد إلى قيادة الحزب، والشأن المالي فقره عائد إلى قيادة الحزب، والتسريبات بكل أنواعها عائدة إلى قيادة الحزب، والخصوصيات والفرديات والمحسوبيات جميعها عائدة إلى قيادة الحزب. حتى أصبحت القيادات ليست قيادات لبناء الحزب وتجسيد دوره، بل قيادات لتشليع الحزب وضربه وصولاً إلى إنهائه فكراً وتاريخاً ومستقبلاً”.

كان ذلك قبل تسع عشرة سنة. وقد قُدّر لي، من موقع مسؤولياتي الحزبية في المملكة المتحدة وأوروبا، أن أشارك في بعض المؤتمرات الحزبية (النوعية والفرعية والعامة) في الوطن وفي عبر الحدود. وما لم أستطع حضوره، وصلتني الأوراق المقدمة فيه والتوصيات الصادرة عنه. وتبيّن لي، فيها كلها من دون استثناء، أن الصورة التي كشفها الأمين هاشم مستمرة حتى يومنا هذا. لكن أخطر ما يصدم القوميين الاجتماعيين أن القيادات التي أوصلت الحزب إلى ذلك الواقع الخطير والمخيف سنة 1999 ما زالت هي نفسها ممسكة بعنان الحزب حتى اليوم… وإن كانت قد طعّمت جسمها المنهك بعناصر “شابة”، بعضها يمارس بإخلاص واندفاع وبعضها الآخر استمرأ الانخراط في لعبة “الخصوصيات والفرديات والمحسوبيات” التي حذّر منها الأمين هاشم.

تمكنتْ هذه القيادات من إحكام قبضتها على الحزب بوسائل عديدة، سنعود إلى تعريتها في مناسبات لاحقة. لكن القيادة في الحزب السوري القومي الاجتماعي، نظرياً على الأقل، محكومة بترتيبات دستورية واضحة. وهذا ما يستتبع سؤالاً مهماً هو: هل البنية الدستورية في الحزب السوري القومي الاجتماعي “عاجزة” عن منع هذه القيادة أو تلك من خطف الحزب وتحدي إرادة الأعضاء؟ وبالتالي: هل يملك الأعضاء آليات دستورية تمكنهم، من ضمن النظام، أن يسقطوا القيادة إذا لم تعد “قيادات لبناء الحزب وتجسيد دوره، بل قيادات لتشليع الحزب وضربه وصولاً إلى إنهائه فكراً وتاريخاً ومستقبلاً”، حسب التقرير المذكور أعلاه؟

القيادات التي أشار إليها تقرير الأمين هاشم، والتي يحمّلها القوميون الاجتماعيون مغبة ما وصلت إليه أوضاع الحزب، لم تأت من خارج الصف الحزبي ولم تهبط من كوكب المريخ لتضع يدها على أعنة السلطة وتأخذ الحزب إلى الهاوية. إنها من هذه القاعدة، بل هي القاعدة قبل أن تنتقل إلى “فوق”! وما كانت لتبلغ مداها في الهيمنة لولا التأييد الأولي الذي منحها إياه القوميون، وما كانت لتستمر من دون التغطية التي يؤمنها لها ـ على الأقل ـ قسم مؤثر من القوميين.

لا يمكننا التنكر للحقيقة المفجعة التي تقول إن “الحزب مشلع” الآن. ولا نستطيع التهرب من الاعتراف بالواقع المزري الذي وصل إليه الحزب على الصعيد الشعبي العام، اللهم إلا إذا خضعنا لمفهوم المثل الشعبي المعبّر: “كل ديك على مزبلته يصيح”! إن المطلوب منا، وبإلحاح، وضع عناصر الأزمة الحزبية على طاولة التشريح حتى لا نبقى في مرحلة اجترار التقارير الوصفية سنة بعد أخرى، وربما عقداً بعد آخر.

هناك ثلاثة عناصر في أزماتنا الحزبية:

1 – القيادة، انبثاقها ومسؤوليتها وطبيعتها.

2 – القاعدة، دورها وقدرتها.

3 – الدستور من حيث هو ناظم للعلاقات الداخلية في الحزب.

وطالما أن أزماتنا الحزبية المزمنة تعاود الانفجار بين حين وآخر على الرغم من التعديلات الدستورية المتكررة (وربما بسبب تلك التعديلات التي غالباً ما كانت تُوضع لمعالجة تلك الأزمات)، فذلك يؤكد وجود خلل عضوي في أحد هذه العناصر الثلاثة، أو في اثنين منها، أو فيها كلها! ولذلك بات من الحيوي فتح ملفات هذه العناصر الثلاثة من دون خشية أو تردد، لأن التحدي القومي المصيري حالياً لا يقل خطورة أبداً عن الظروف القومية الكارثية التي عايشها سعاده و”دفعته” إلى تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي. وبهذا الأسلوب فقط تتحقق عبارة الأمين هاشم التي أنهى بها تقريره الموجع: “إن فروعنا الحزبية تضج بهؤلاء المؤمنين الذين يتطلعون إلى قيادات رسولية ترتقي بعقلها ووجدانها إلى رسولية سعاده القائد القدوة، بعيداً عن مراكز القوى، وبعيداً عن كل المماحكات، وبعيداً عن كل الخصوصيات والفرديات”. وذلك يستدعي بالضرورة أن تعود القاعدة إلى ممارسة دورها الدستوري في الرقابة والمحاسبة وفق الأصول المنصوص عليها في دستور الحزب السوري القومي الاجتماعي وأنظمته الداخلية… كما سنبيّن في مقال لاحق.

لندن في 20 تشرين الثاني 2018

 

في هذا العدد<< صبيةٌ أم أهلٌ للمسؤولية؟لوحة بابلية عمرها 3700 سنة: بفيثاغورس لم يخترع النظرية التي تحمل اسمه ترجمة فادي خوري >>
0 0 votes
Article Rating

You may also like...

Subscribe
نبّهني عن
guest
1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
نذير ميداني
نذير ميداني
5 سنوات

معك حضرة الرفيق أصفهاني
تحيا سوريا
ن . م