1

وفد الحمير في نيويورك!

زيد قطريب

غضبت حيوانات الغابة من كثرة استخدام البشر لمصطلح “شريعة الغاب” عند الإشارة إلى التوحّش وانعدام الضمير والظلم. فقررت أن تردّ على هذه الصفاقة الإعلامية الهادفة إلى تشويه سمعة السباع والنمور والأبقار والجحاش والضباع والفيلة والغزلان والذئاب، الذين يكفون البشر خيرهم وشرّهم، ويعيشون منعزلين في الأحراش منسجمينَ مع الطبيعة بلا فضائيات أو انترنت أو أسلحة فتاكة أو قصور فارهة منهوبة من قوت الفقراء وعرق جبينهم في المعامل والأراضي الزراعية والورشات.

اجتماع عاصف، عقدته الحيوانات في ساحة الغابة، وإثره قرر الجميع إرسال وفد من الحمير إلى الأمم المتحدة في دورتها العادية كي يلقي كلمة يوصل عبرها رأيه إلى العالم الخاضع لما سمّوه تضليلاً كبيرًا بسبب تواطؤ وسائل الإعلام ودورها المشبوه في صناعة الرأي العام.

بعد معاناة في عبور الحدود وقطع تذاكر الطيران، وصل وفد الحمير إلى نيويورك من أجل حضور الاجتماع. لقد احتاجوا مترجمين يفهمون لغة الحمير، كما انتظروا ساعات في المطارات من أجل ضرب أسمائهم على الفيش، حتى تتأكد المخابرات من نظافة ملفهم من الإرهاب ومعاداة السامية وتبييض الأموال والتجسس لصالح دول معادية.

في قاعة الاجتماعات الكبرى، صعد الحمار الكبير إلى المنبر وسط تصفيق حاد من الحضور، بعد أن تم تقديمه بشكل لائق من قبل رئيس الجلسة الذي أكد أن حضور وفد الحمير اليوم دليل على مبدأ الديموقراطية واحترام الرأي الآخر مهما كانت الخلافات كبيرة..

تنحنح الحمار قليلا وراء المايكروفون ثم ألقى خطاباً نارياً اتهم خلاله البشر بالتجني على الحيوانات وإلصاق صفة الوحشية بهم والتهام بعضهم البعض. وقال الحمار بغضب كبير بعد أن ضرب على الطاولة: حيوانات الغابة لا تقتل إلا حين تجوع، وعندما تشبع لا تسيء إلى أحد بل تحفظ حقوق الكبير والصغير، على عكس البشر الذين يقتلون لمجرد اللذة بالقتل، وإذا أكلوا فإنهم لا يشبعون ولا يتخمهم إلا تراب القبر. تحدث الحمار عن الليبرالية والهيمنة الأميركية على العالم وحلف الأطلسي ووارسو والحرب الباردة والاحتلالات التي تُمَارس على الشعوب الضعيفة من أجل نهب ثرواتها واستعبادها إلى أبد الآبدين. ثم أخرج من خرجه وثائق موقعة من ماوكلي وطرزان وعائلة روبنسون، يعترفون فيها أن مجتمع الغابة أرفع بكثير من مجتمعات البشر، ويعلنون أنهم سيقضون بقية عمرهم بين الأدغال دون أن يعودوا إلى حياة البشر العبثية القائمة على الاستغلال والنهب والاضطهاد.

في نهاية الخطاب، صفق الحضور طويلاً للحمار بعد أن دمعت عيناه من شدة الانفعال. لكن المندوب الأميركي أبدى انزعاجه من الخطاب ووصف كلام الحمار باللامنطقي والكيل بمكيالين، ثم قال إن المعلومات الاستخباراتية تؤكد تحرك جماعات إرهابية في الغابة واستعرض صورًا للأقمار الاصطناعية تبرهن على وجود داعش في الأدغال.

نزل الحمار عن المنصة ومشى برفقة الوفد مغادرًا القاعة.. بينما كان ملف الغابة يُحال إلى مجلس الأمن ليحاسب وفق البند السابع. عرفتوا كيف؟