1

نقص كوادر القطاع العام في الشام.. وطوابير تستجدي فرصة عمل

بادية الونوس

نزيف للرأسمال البشري في غالبية مؤسسات القطاع الحكومي التي تعاني من تسرب مختلف فئات العاملين فيها، الأمر الذي ضاعف من حجم الأعباء وجعل الكثير من الموظفين عاجزين عن الحصول على يوم راحة، خاصة في المهن التي تتطلب استمرار العمل كالمشافي، ناهيك عن الانتظار الطويل للمواطن (المعتّر) في الطوابير، مقابل الحصول على خدمة أو انجاز معاملة. في المقابل يوجد مئات الآلاف ممن يلهثون خلف بصيص أمل للحصول على موطىء قدم في أية مؤسسة حكومية، قد تكون بالنسبة إليهم (البحصة) التي تسند الجرة في هذه الظروف الضاغطة على الجميع.

إذن، ما هي الأسباب  التي دفعت الكوادر الادراية للهجرة؟ ما هو الواقع الحالي؟ وما المطلوب لتثبيت هؤلاء في مؤسساتهم؟

من الواقع

البحري: 40% نسبة النقص في كوادر جامعة دمشق 

عبارات نسمع بها حيثما توجهنا: لا يوجد كوادر كافية! حاولنا الحصول على رقم لأعداد العاملين المغادرين للقطاع العام، فلم نحصل على رقم. لكن بالتأكيد لا يوجد مؤسسة أو شركة لم تفقد الكثير من كوادرها لسبب أو آخر. هذا ما تؤكده المكاتب الخاوية في المؤسسات العامة التي لا نجد فيها سوى أعداد قليلة.

40% نقص في جامعة دمشق

يؤكد النائب الإداري لرئيس جامعة دمشق الدكتور صبحي البحري لمجلة (الفينيق) أنه يوجد نقص كبير في أعداد العاملين في مختلف الأقسام، حيث  يصل نحو 40% وهذا له تأثيره المباشر على سير آلية العمل والسرعة بالإنجاز، مبينًا أن الجامعة لوحدها بحاجة 1200 عامل إداري من مختلف الفئات، وسيتم الاعتماد على الموظفين الجدد الذين سيتم فرزهم من خلال المسابقة المركزية التي أعلنت عنها وزارة التنمية الادارية، علمًا أن حصة الجامعة منها لم تتجاوز 400 فرصة فقط.

ازدحام!

احتاجت سهام لانجاز معاملة (بدل ضائع) للبطاقة الذكية، التي تعد حاليًا بأهمية (الهوية الشخصية) بل أهم منها في بعض المطارح، إلى أكثر من أسبوعين في هذا الزمهرير القارس، كأن الطبيعة والظرف الاقتصادي والمعيشي تكاتفوا لذل وامتهان كرامتنا تقول: “عليك أن تأتي قبل طلوع الفجر بساعات لترى ورقة بيضاء على باب المركز  تسجل عليها الأسماء من أجل الدور، ومن ثم الانتظار ضمن تلك الطوابير التي تأتي من كل حدب وصوب، لا يوجد  سوى  ثلاث موظفات في مركز يراجعه غالبية سكان دمشق وما حولها.”

توقف مشفى عن العمل!

الخطورة من نقص الكوادر، امتدت إلى المشافي، ففي تصريح لوزير التعليم العالي أكد فيه  توقف مستشفى التوليد الجامعي عن استقبال الحالات الاسعافية لعدم وجود طبيب تخدير، وسيتم الاستعانة بأطباء من المستشفيات الأخرى لترميم النقص عبر جدول مناوبات بحيث يحدث أي خلل. هذه حالة تتعلق بآلية عمل مشفى بأكمله!

سنجر: الأسباب تعود للهجرة والتسرب للقطاع الخاص وانخفاض الرواتب

المشهد عام

مختلف المؤسسات العامة تشهد نقصًا هنا ومحاولات ترميم هناك. على سبيل المثال وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، تعاني نقصًا في عدد المراقبين من عناصر التموين. في قطاع التعليم نقص المدرسين ..الخ. هذا وحده مؤشر على نقص الكادر الاداري في مختلف المنشآت. الأمر الذي انعكس ليس فقط على  الكادر المتواجد بضغط العمل، بل حتى على الدوام والمناوبة لأيام متواصلة لأجل ضبط العمل وانجازه بالسرعة المطلوبة.

إلى جانب الهجرة، فإن سبب نقص الكوادر لدى القطاع العام يعود إلى تفضيل الشباب الذهاب للعمل في القطاع الخاص حيث الرواتب أعلى. الجميع يقولون لن نعمل من أجل “فرنكات” نقبضها آخر كل شهر! ومن أجل محاولة الترميم في هذا النقص، أعلنت وزارة التنمية الادارية عن أضخم مسابقة مركزية لتعيين حوالي مئة موظف مختلف مؤسسات القطاع الحكومية.

بسبب الهجرة

ييقول الباحث الاقتصادي  الدكتور ماهر سنجر: “إن ارتفاع معدلات الهجرة هو أحد أوجه الأزمات الاجتماعية والاقتصادية وما ينتج عنها من ظروف غير ملائمة، اضافة إلى مدى ملاءمة الحلول والمنهجيات المتبعة في إدارة هذه الأزمات. ما يعني استمرار معدل الهجرة في الارتفاع، ناهيك عن وجود حالة من الخلل بين القطاعات، كارتباط معدل نمو سوق العمل وحجم القوى العاملة المؤهلة للدخول إلى الحياة العملية مع حالة  عدم الاستقرار. كل تلك العوامل تساهم بشكل أو بآخر بنقص الكوادر.”

المشكلة بالاستقطاب

لا يوجد حالة نقص في الكفاءات في دول تملك كمًا كبيرًا من المؤسسات التعليمية والمؤسسات الثقافية وتملك الشباب، ما يمكنها من انتاج نموذج اقتصادي واجتماعي بشكل جيد. يضيف سنجر: “المشكلة في طريقة استقطاب هذه الكفاءات أو حتى الحفاظ عليها، لذلك من الجيد إعادة انتاج نموذج اقتصادي ابداعي من خلال تشكيل مزيج معرفي ومهني من أصحاب الخبرة في القطاعات المهنية والصناعية والتجارية، واستقطاب المشهود لهم في المؤسسات التعليمية  لرفع الانتاج المعرفي. على سبيل المثال لنركز على حملة الاجازة الجامعية والشهادات العليا الذين بلغت نسبتهم في القطاع العام من ذكور وإناث بموجب المجموعة الاحصائية 21%، وهذه تعد نسبة مرتفعة مقارنة بباقي الفئات، كما أنها تعادل تقريبًا النسبة التي كانت عليها عام 2012 في حين بلغت 9% في القطاع الخاص بزيادة 4% عن عام 2011، وهذا الأمر مرتبط بطبيعة النشاط وسهولة مغادرة العاملين لشركات القطاع الخاص. إن حالة عدم الاستقرار الاقتصادية على المستوى الدولي، وحالة التغيير في النظم الاقتصادية بعد الثورة المعلوماتية، دفعت بالكثير من الدول للاستثمار في موضوع الهجرة.”

تيشوري: المطلوب مكافحة الفساد وسياسة أجور عالية

خلل إداري

يعتبر الخبير الإداري الدكتور عبد الرحمن تيشوري أن الواقع الاقتصادي  السوري  المتردي يجب أن يكون  حافزًا للإصلاح الإداري وزيادة الرواتب والأجور وتحفيز الكفاءات، يقول: “إن المتتبع لحركة التطور الاقتصادي بين عامي 2011-2020 يستشعر أن هناك خللاً إداريًا كبيرًا على مستوى أجهزة الادارة العامة، حال دون تحقيق الطموحات الاقتصادية والاجتماعية المستهدفة من قبل المجتمع، وذلك من خلال عدم قدرة أجهزة الادارة العامة على إعداد وتنفيذ الخطط الاقتصادية بشكل يتماشى مع متطلبات العقلانية الاقتصادية والترشيد الاداري. علمًا أن الطاقات والامكانات السورية المتاحة مناسبة لتحقيق نتائج أفضل على صعيد الإدارة الاقتصادية.”

عجز في الادارة

يضيف تيشوري: “إن المؤشرات الاقتصادية تدل على عجز الحكومة عن إدارة الموارد بالكفاءة المنشودة، إضافة إلى عدم إخضاع الخطاب الاقتصادي والاداري للحكومات المتعاقبة وخاصة السابقة، لأي مساءلة من قبل السلطات المختصة إلا في حدود ضيقة، ما أدى إلى تفشي ظاهرة الفساد الاداري والاقتصادي دون أن يكون هناك معالجات حقيقية وشاملة من قبل الأجهزة الرقابية. لا حل إلا  بسياسة أجور عالية توفر عيشًا كريمًا، لأن تسرب الكادر من موظفين وكفاءات، يكون  لعدم التقدير للاختصاص المهني. إن الخسارات تنعكس على البلد والاقتصاد والخزينة العامة. والمثال الأبرز على صحة ذلك هو (خريجو المعهد الوطني للادارة العامة)  حيث إن أغلبهم يعمل في وظائف هامشية، علمًا أنهم كلفوا الدولة تكاليف باهظة. ويبقى السؤال لماذا لا تعتمد الدولة في تعيينها على الكفاءات؟”.

أمام هذا المشهد، فإن المطلوب هو تثبيت الشباب في المؤسسات العامة، من خلال تحفيز المنشآت واستقطاب الشباب وتقديم المغريات للالتحاق بالعمل. بالتأكيد لا يكفي أن نشير إلى المشاكل والعراقيل، التي ندفع أثمانها من كل الجوانب، بل يجب اتخاذ إجراءات تنفيذية على أرض الواقع، وإلا سنتحول إلى مستهلكين ننتظر الفتات من موائد الآخرين! فهل نشهد تحركًا قريبًا أو بارقة أمل ترمّم النقص الحاصل في قطاعنا الحكومي وتعيد الحياة لعجلة الاقتصاد؟ أم نبقى على قيد الأمل والانتظار؟