1

من لعنة الانشقاقات.. إلى خيار التيارات!

زيد قطريب

عاجلاً أم آجلاً، فإن الوحدة ستُفرض على الرفقاء – الأعدقاء، في الحزب السوري القومي الاجتماعي، لكن من خارج الحزب. وهذا لن يكون إلا بمثابة حبوب مهدّئة لانشقاقاتٍ سوف تأتي، وسيقوم بها الأشخاص أنفسهم، أو ممن ينوب عنهم من النسخ المستنسخة والتلاميذ الذي تخرجوا من ذات المدرسة وأدمنوا النهج نفسه! وعند حدوث ذلك، سيهرع “الكرادلة” إلى تجهيز الأدلة “المدرحية” التي تبرر الخطوة “الوحدوية” أو”الانشقاقية”، لا فرق!

مشكلة بنيوية تعصف بالحزب السوري القومي الاجتماعي، وهي لا تتعلق بمجلس قومي أو مؤتمر أو طريقة لانتاج السلطة. بل تتلخص باستشهاد سعاده قبل إنجازه مهام التأسيس بشكل كامل سواء من الناحية الفكرية أم الإدارية المؤسساتية. لقد كان لدى سعاده الكثير ليفعله، لكن لم يسعفه الوقت. لقد ترك الحزب بحالة جنينية خضعت لتشوّهات وتشويهات، بعضها متعمّد عن سابق قصد وتصميم، وأخرى بعامل عدم النضوج واختمار التجربة والإلمام بجميع متطلباتها. مطبات الحزب منذ عام 1949 كثيرة، فهو لم يكد يخرج من جبّ حتى يقع في دبّ، حاله مثالُ حال الأمة التي وصفها سعاده بهذا التعبير سابقًا. بكل بساطة كان سعاده حامل الحزب وضمانته وعندما استشهد، انهار البناء المتين الذي أراده، وأصبح أشبه بأبنية العشوائيات التي تملأ الأمة.

اليوم، لا يبدو منطقيًا أن نراهن على إشادة النهضة من هذا الخراب الذي يسمونه بالحزب! فالوحدة إن حصلت، فهي بسبب ضغط الحلفاء، وبالتالي ستعود الانشقاقات عند أول فرصة أو ربما عند طلب من الحلفاء أنفسهم. بهذا المعنى، لاتبدو الوحدة في مصلحة الحزب! بل هي تؤجل مواجهاته الكثيرة مع مشاكله الداخلية، ليمضي سنوات أخرى يعود بعدها إلى مواجهة السؤال نفسه: هل نعود إلى لجان المديريات ومجالس المنفذيات في انتاج السلطة؟ أم نجرّد “الكرادلة” من نياشينهم على اعتبار أنهم كانوا دائمًا شركاء فيما يجري؟

في هذا المشهد، يبدو أن نشوء مؤسسات تنمو على هامش الحزب، حلاً معقولاً. مؤسساتٌ تُعنى بالاقتصاد والثقافة والإعلام والسياسة والتعليم وغير ذلك. يؤسسها قوميون اجتماعيون في مجموعات حسب اختصاصهم كي تعمل كل واحدة نحو هدفها الفرعي الذي يوصل إلى الهدف الكبير. ومثال ذلك تأسيس مدارس، وإنشاء نوادٍ فنية، وإطلاق منابر إعلامية، وشركات اقتصادية، وفرق كرة قدم.. جميعها تنطلق من الهدف الفرعي نحو الهدف الجامع، بلا جامع تنظيمي علني يشكل إطارًا لهذه الوحدات. دعونا نؤسس مؤسساتنا الصغيرة ريثما يحين الوقت للمّ الشمل. هكذا فعل سرجون الأكادي عندما وحّد الأمة وأعاد إليها هيبتها. فالحزب هو الأمة، والأمة هي الحزب، ومن حُسن نظرتنا إلى تاريخ الأمة، يمكن أن نصلح حال الحزب.

ليختلف التجارُ والصيارفة والبغاة. ليتصل الرفقاءُ بأجهزة الأمن كي يغلقوا مكاتب رفقائهم في الجانب الآخر. دعوهم يبيعون رتب الأمانة على البسطات في سوق الهال السياسي. فنحن لابد أن نعيد الحياة لمشروع الأمة، بغض النظر عما يجري من ثرثرة وفوضى وتشكيك. إنها التيارات القومية التي تمثل “اللوغوس” السوري العصيّ على الموت. تيارات تعمل في السياسة والاقتصاد والثقافة والصحافة والجمعيات الخيرية والمدارس. تياراتٌ ستلتحم عندما يحين الوقتُ، لأن هذا هو القضاء والقدر. هذه التيارات، ستراهن على الإنتاج المبدع والعالي، ولتذهب الافتئاتات إلى الجحيم!

لا يمكن اليوم بناء الحل على حزب الخراب! ولولا القوة المدرحية التي شكلها سرجون الأكادي حينها، لما توحّدت سوريا الطبيعية، فلنعمل لأجل القوة والإنتاج عالي المستوى في كافة المستويات. عندها سيكون لقاؤنا وانتصارنا قضاءً وقدرًا.. هكذا قال المعلم!