مضبوعين!
زيد قطريب
أزكمت رائحة الضبع أنوف الحيوانات في الغابة، وكثرت الشكاوى المرفوعة إلى المجلس المحلي للمطالبة بإيجاد حلّ جذري لهذه المشكلة القديمة التي فشلت المجالس السابقة في حلها. الضبع كان ينزل يوميًا إلى النوادي والأسواق فيتسبب بإثارة الهلع من رائحته الكريهة، بعض الحيوانات كان يغلق الدكاكين معلنًا انتهاء الدوام، والبعض الآخر يرش “الديودوران” من أجل طرد الرائحة من المكان. حيوانات أخرى كانت تصاب بضيق التنفس وبعضها الآخر كان يلبس الكمامات وآخرون يقعون فريسة الإغماء و”الانضباع”، فيهدون الضبع ما يريد من بضاعة دون أن يدفع فلسًا واحدًا، فيأخذها ثم يتمشّى كأنّ شيئًا لم يكن.
اجتمع المجلس المحلي عدة مرات لمناقشة الأمر، وتم استدعاء الضبع للحضور. بعض الأعضاء أهداه قناني عطر مصنوعة من مسك الغزلان، وآخرون جلبوا أشهر ماركات الشامبو كي يشجعونه على الاستحمام ولو مرة في الأسبوع. في أحد الاجتماعات تبرعت الحيوانات بمبالغ نقدية لبناء منتجع للضبع مزوّد بأحدث الحمامات الإفرنجية والعربية، المكسيّة بالسيراميك مع الجاكوزي والساونا ووفرة الماء الساخن والبخار. كل ذلك لم يجدِ نفعًا، فالضبع كان يضعف أمام أول فطيسة ينكبّ عليها حتى التخمة، ثم “يتمردغ” في مستنقعات الوحل والسياقات وينام تحت أشعة الشمس كأنه ملك العالم.
باءت كل أساليب التنظيف والتعقيم بالفشل. فقرر المجلس إجراء محاكمة علنية من أجل طرد الضبع إلى البراري البعيدة بحيث لا تتسبب رائحته في إزعاج أحد، ولا تؤثر على السياحة التي تضررت كثيرًا بسبب فساد الهواء.
وافق الضبع على اللجنة القضائية التي تشكلت من التيس والأفعى والفيل، وأكد للأعضاء أنه ليس سبب المشكلة، فهو يعاني من الظلم ونفور الحيوانات وتنمّرها أينما ذهب وحلّ، وقال إنه سيقبل بالنتيجة مادامت تعتبر مصلحة عامة.
بالفعل، أجريت المحاكمة بحضور جميع حيوانات الغابة. لقد جاءت الفيلة مع الفهود والنمور والأرانب والسلاحف والحمير والبقر والخنازير والطيور والنعجات والتيوس والعنزات. كانت علامات الإصرار على حسم الموضوع تظهر على وجوه الجميع الذين قرروا الخلاص من رائحة الضبع إلى غير رجعة. وقبل أن تبدأ المحاكمة، طلب الضبع الإذن بالحديث، فأكد أنه يتعرض لمؤامرة ضخمة تهدف إلى طرده من الغابة، وأنه لم يرتكب جرمًا، بل يعاني من التنمّر واستهزاء الحيوانات بلا مبرر واقعي. وأكد الضبع خلال مداخلته أن حيوانات الغابة لاشك مصابة بالتحسس والربو أو التهاب الجيوب الحاد الذي يؤثر على حاسة الشم لديها. وفي النهاية أخرج من حقيبته مجموعة أوراق وشهادات طبية وصور إيكو وتحاليل، تؤكد براءته من الرائحة الكريهة.
الحيوانات “المضبوعة” بالرائحة الكريهة التي ملأت صالة المحكمة، ظهرت وكأنها غابت عن الوعي، فأصبحت متعاطفة مع الضبع كثيرًا. بدايةً، تحدث الحمار عن محاسن الضبع وجيرته الطيبة مطالبًا باستبعاد قرار الطرد. ثم أشار الفيل إلى فائدة الضبع في تنظيف الغابة من الجيف والفطايس التي يمكن أن تنشر الأمراض. أما الكلاب فقالوا إنهم ينتمون والضبع إلى فصيلة واحدة، ولا يمكن أن يغدروا برفيقهم مهما كانت الظروف. لقد تعاقبت الحيوانات “المضبوعة” على كيل المدائح للضبع، بينما كان أعضاء المحكمة فوق المنصة مشدوهين غير مصدقين ما يسمعون.
خرج الضبع من بين الجمهور حاملاً أوراقه وتقاريره الطبية، ثم صعد الدرج باتجاه المحكّمين الذين سطلتهم الرائحة مباشرةً وباتوا تحت سطوة “الانضباع” كأنهم في عالم آخر. وعلى الفور صدر القرار القاضي الذي حكم أولاً ببراءة الضبع من كل ما نُسب إليه من تلفيقات، وثانيًا إحالة جميع حيوانات الغابة إلى الفحص الطبي للتأكد من سلامة القصبات الهوائية والجيوب والمناخير والخشوم.. عرفتوا كيف؟