1

مراحل نشوء الحزب وتحديد السلطات /2/

زهير قتلان

سلطة التشريع – المجلس الأعلى- “الطبيعة القانونية”

السلطة التشريعية

حددت المادة الرابعة من الدستور السلطة في الحزب بسلطتين تشريعية وتنفيذية. وجعلت صاحب هاتين السلطتين ومصدرهما زعيم الحزب “إن زعيم الحزب هو مصدر السلطتين التشريعية والتنفيذية.”

ومن المعلوم أن وظيفة السلطة التشريعية هي إصدار القوانين بما يتفق مع أحكام الدستور وسلطة التنفيذ هي الهيئة التي تقوم على تنفيذ القوانين والأحكام والقرارات التي تصدرها القيادة الحزبية. وقد مر معنا أن صاحب الدعوة، اشترط على المقبل عليها أن يكون صاحبها زعيمًا للحزب مدى حياته. وجاء الدستور لينيط به سلطتي التشريع والتنفيذ فهو من يصدر القوانين وهو من يتولى الإشراف على تنفيذها بواسطة إدارات تنفيذية وهيئات استشارية تشريعية وتنفيذية تساعده في إدارة الحزب كما سيأتي.

   المجلس الأعلى “طبيعته القانونية”

المجلس الأعلى، هيئة علمية تخصصية تتبع مؤسسة الزعامة نص عليها الدستور في مادته العاشرة، وقد شرع ابتداء ليكون هيئة استشارية، تتطور طبيعته القانونية ووظيفته بتطور الأحداث كما سيجيء معنا.

  “للحزب السوري القومي الاجتماعي، مجلس أعلى يجتمع بناء على دعوة من الزعيم لإبداء الرأي وإعطاء المشورة في شؤون الحزب الخطيرة ولتقرير سياسة أو خطة فاصلة أوحل مشكل ذي نتائج خطيرة في حياة الحزب الداخلية ولتعديل الدستور الحالي.”

بدراسة هذه المادة يبدو بشكل كامل الوضوح لا لبس فيه، أن السلطة التشريعية التي مهمتها إصدار القوانين، لا تملك تعديل الدستور الذي يختص به المجلس الأعلى اختصاصًا نوعيًا وعلى سيبل الحصر بوصفه هيئة استشارية، تبدي رأيًا أو تقدم مشورة وتقرر، حين يطلب إليها ذلك، لزوم التعديل من عدمه بالصيغة المقترحة للتعديل أو بالتعديل فيها.

لقد حملت هذه المادة في مضامينها وبين سطورها صدق سعاده وإيمانه بقضية الأمة وعدم الانحراف عن الغاية التي وقف نفسه عليها، هذه المادة هي ضابط إيقاع سلطة الزعامة، ولا يمكن أن نتبين أبعادها إلاّ بقراءتها مع قسم الزعامة والمادة الرابعة من الدستور.

   في القسم: أقسم سعاده:

  • أن يجعل حياته وقفًا على أمته ووطنه.
  • أمينًا على المبادئ التي وضعها والتي أصبحت تُكَوِّن قضية الحزب السوري القومي الاجتماعي، ولغاية الحزب وأهدافه.
  • ألا يستعمل سلطة الزعامة إلاّ من أجل القضية القومية الاجتماعية ومصلحة الأمة.

  في المادة الرابعة من الدستور:

  • زعيم الحزب مصدر السلطتين التشريعية والتنفيذية

وقد مرّ معنا في مقدمة الدستور أن سعاده لم يبدأ زعيمًا ولا قائدًا، بل بدأ باحثًا ثم مكتشفًا هوية الأمة وحقيقتهاـ محددًا أسباب ضياع هويتها وفقدها سيادتها، ومن بعد واضعًا مبادئ نهضتها وراسمًا طريق استعادة هذه السيادة، وبعد أن أكمل الدراسة وحدد الهوية ووضع قواعد وأسس هذه الاستعادة، دعا أبناء أمته إلى اعتناق العقيدة القومية الاجتماعية. فالدعوة إلى القومية الاجتماعية جاءت في مرحلة تالية لإعلان عقيدة الحزب ودستوره.  

   المرحلة الأولى إذن، هي أساس الدعوة للإقبال على الحزب واعتناق عقيدته والالتزام بالعمل على بعث الأمة. إن تحديد كل من المرحلتين ومجرياتهما على غاية من الأهمية فالمادة العاشرة من الدستور، أوجدت هيئة استشارية ليست ذات سلطة، هذه الهيئة يرجع اليها سعاده، بعد أن صار زعيمًا ومصدرًا لسلطتي التشريع والتنفيذ، كلما وجد المصلحة القومية تستدعي أخذ رأي أو طلب مشورة لمواجهة ما يصادف الحزب أثناء مسيرته. لقد حددت هذه المادة الطبيعة القانونية للمجلس الأعلى في ظل الزعامة ووظائفه، فهو يجتمع بناء على دعوة من الزعيم لـ:

  • إبداء الرأي فيما يُطْلَبُ منه الرأي فيه.
  • إعطاء مشورة فيما يُستَشار به في شأن من شؤون الحزب الخطيرة
  • لتقرير:
  • سياسة
  • خطة فاصلة أو حل مشكل ذي نتائج خطيرة في حياة الحزب الداخلية.
  • لتعديل الدستور الحالي إذا رأى الزعيم أن مسيرة الحزب في أحد محطاته تستدعي ذلك.

 وهكذا نجد أن المجلس الأعلى من خلال حكم هذه المادة، ليس ذا سلطة وليس له نظام داخلي يحدد دورات انعقاده، فهو يجتمع بناء على دعوة من الزعيم، إنه هيئة استشارية، وأما في المسائل السياسية والأمور الخطيرة في حياة الحزب الداخلية فيقرر السياسة الفاصلة أو وضع الخطة لحل الإشكال الحزبي الداخلي الخطير. ويقر الزعيم ذلك ويصدرها لتصبح نافذة، وأما تعديل الدستور، وهنا بَيْتُ القصيد، فإنه يبتّ سلبًا أم إيجابًا فيما إذا رأى الزعيم ضرورة تعديل الدستور الحالي والأسباب الداعية لذلك.

ورب سائل يسأل، وقد قرأ الدستور ووجد فيه أن سعاده هو زعيم الحزب وقائده الأعلى، وهو مصدر السلطتين التشريعية والتنفيذية، لِمَ لا تكون له صلاحية تعديل الدستور تبعًا لكونه هو الشارع صاحب الدعوة؟ ولمَ لا يكون هو من يرسم  الخطة السياسية ليعالج الأمر الطارئ الذي بسببه جدَّت الحاجة الى إبداء الرأي وطلب المشورة واحتمال التعديل، لمَ لا يكون هو المرجع في كل شيء وفي كل شأن، هو من يعدِّل الدستور؟ وفي الإجابة نقول:

دستور الحزب وُضِع لتحقيق الغاية من تأسيه التي هي “قضية شاملة تتناول الحياة القومية من أساسها، ومن جميع وجوهها، إنها غاية تشمل جميع قضايا المجتمع القومي الاجتماعية والاقتصادية والروحية والمناقبية وأغراض الحياة الكبرى، فهي تحيط بالمثل العليا القومية وينطوي تحت ذلك تأسيس حياة أخلاقية جديدة ووضع أساس مناقبي جديد.” -سعاده- هذه الغاية السامية، هذه القضية القومية الروحية المناقبية التي تحيط بالمثل العليا القومية والتي ينطوي تحتها تأسيس عقلية أخلاقية جديدة، هي التي حملت سعاده المؤسس، الذي هو الأكثر إدراكًا وإيمانًا بالقضية القومية والأكثر ائتمانًا عليها وحرصًا على سلامتها، هي ما حمله حين وضع دستور الحزب عن حجب، صلاحية تعديل الدستور عن سلطة التشريع، لأن هذه الغاية العظيمة التي وُضِعَ الدستور لضمان تحقيقها توجب أن يحاط الدستور بالضمانات الغائية المناقبية والروحية والمثل القومية العليا، فيأتي التعديل مثاليًا في ضمان تحقيق الغاية التي وجد الحزب لتحقيقها، إن جعل البت بتعديل الدستور للمجلس الأعلى حال حياة الزعيم هو فصل في الصلاحية بين المشرع والمؤسس، يظهر حرص سعاده على عدم إخضاع التعديل لرأي سلطة في الحزب فلا سلطة في الحزب على دستور الحزب.

     ولو عدنا إلى المادة العاشرة وأعدنا قراءتها لتبين لنا:    

  • أن الدستور حدد مرجعية تعديله وطريقة ذلك، فبعد أن انتهى دور المؤسس “هيئة تأسيسية” بوضعه دستور الحزب، وأصبح بالتعاقد مع المقبل، مصدر السلطتين التشريعية والتنفيذية، لم يعد ذا سلطة على دستور الحزب بعد أن حُدِّدَتْ فيه مرجعية تعديله وطريقة ذلك.
  • التعاقد بين صاحب الدعوة والمقبل عليها تم بعد وضع مبادئ الحزب ودستوره، وعلى أساسه كان التعاقد، على أساس الدستور الموضوع والعقيدة المحددة فيه، هذا ما تمت الدعوة على أساسه.
  • الدستور حدد السلطة في الحزب وصلاحياتها، وسلطةُ التشريع إحداها وليس من بين صلاحياتها تعديل الدستور، وقد سبق بيان الفرق بين التأسيس والتشريع.
  • وزيادة على ما سبق قوله، وفوق هـذا وذاك، حرص المؤسس على تجنب الخطأ في حركة البناء القومي ومسيرة عملية النهوض بالأمة. فالقصد من وراء هذا الفصل في المرجعية هو الاستعانة بأهل الاختصاص العلمي والمعرفي لأخذ الرأي وطلب المشورة في الأمور الفاصلة في حياة الأمة سواء في الشأن السياسي أو الاجتماعي وحتى الدستوري، مقررًا الحصانة للدستور من التعديل إلاّ ما تتطلبه المصلحة العليا.

  هذه هي الطبيعة القانونية للمجلس الأعلى في ظل سلطة الزعامة لتتطور فيما بعد تبعًا لظروف عمل الحزب بحسب ما جاء في المادتين الحادية عشرة والثانية عشرة.

سلطة التنفيذ

لم تكن سلطة التنفيذ في عهد الزعامة من أعمال هيئة، إنما كانت للقائد الأعلى تساعده إدارات تنفيذية ومجالس استشارية تشريعية وتنفيذية وهيئات اقتصادية في إدارة الحزب.

تقول المادة السادسة “ينشئ الزعيم إدارات تتنفيذية ومجالس استشارية تشريعية وتنفيذية وهيئات اقتصادية لتعاونه في إدارة الحزب وخدمة القضية القومية الاجتماعية التي من أجلها نشأ الحزب السوري القومي الاجتماعي.”

    تبعًا لذلك ومن حيث كونه مصدر السلطة التنفيذية فقد أصدر أربعة مراسيم – وليس قوانين– بتشكيل أربع مؤسسات إدارية تنفيذية لمعاونته بإدارة الحزب هي مؤسسة العمد المرسوم رقم1، مؤسسة المنفذيات المرسوم رقم2، مؤسسة المديريات المرسوم رقم3، مؤسسة لجان المديريات والمنفذيات المرسوم رقم4.

     المرسوم رقم1 القاضي بإنشاء مؤسسة العمد ومجلسهم، يضم هذا المجلس مجموع الرفقاء الذين تناط بهم إدارة المصالح العامة للحزب وقد حددت المادة3 من هذا المرسوم المصالح العامة وتسمية كل منها يرئس كل مصلحة من المصالح عميدًا، ويؤلف مجموع العمد مجلسًا تنفيذيًا ينفذ سياسات الزعيم وله خطة خاصة تتعلق بطرائق وخطط المجلس بتنفيذ سياسات الزعيم يسمى مجلس العمد يتألف مكتبه من رئيس وناموس يعينهم الزعيم وأوضحت مواده مهام هذا المجلس وصلاحياته.

المرسوم رقم2 بإنشاء مؤسسة المنفذيات يقسِّم هذا المرسوم الحزب إلى مناطق إدارية يتم تحديدها بمرسوم تسمى هذه الإدارات بالمنفذيات لها هيئة تسمى هيئة المنفذية المؤلفة من نظار تتبع كل نظارة العمدة بحسب المصلحة التي تتبع لها يرئسها منفذ عام تتم تسميته بمرسوم وحددت مواد هذا المرسوم بيان الجهاز الإداري للمنفذية ومهامها وصلاحية كل من المنفذ العام وهيئة المنفذية وكيفية ومرجعية تعيين كل منهم.

المرسوم رقم3 ويتناول هذا المرسوم تقسيم المنفذية إلى إدارات لكل حي وناحية وقرية بناء على اقتراح المنفذ العام تديرها هيئة تسمى هيئة المديرية يرئسها مدير المديرية يعينه عميد الداخلية أيضًا بناء على اقتراح المنفذ العام. وقد حدد المرسوم قوام هيئة المديرية وصلاحية ومهام المدير وأعضاء الهيئة وإجراءات تعينها وتبعيتها الوظيفية.

المرسوم رقم4 ويتعلق بإنشاء لجان استشارية لهيئة المديرية تسمى لجان المديريات، يتم  انتخابها من أعضاء المديرية تحدد مدتها بسنة واحدة، تنتخب أحد أعضائها ليكون ممثلاً لها في مجلس المنفذية، حدد المرسوم وظيفة هذه اللجان، وهي مهام تتعلق بدراسة شؤون الحي الاجتماعيه والاقتصادية والسياسية وتقديم المشورة بشأنه إلى هيئة المديرية، ويمكن الرجوع إلى نص المرسوم للوقوف على تفصيل إنشاء هذه اللجان ونظامها ومهامها بالتفصيل ما يظهر خطأ المجالس التشريعية اللاحقة في تفسير وظيفة هذه اللجان وخطأ اعتمادها في التعديلات التشريعة التي سنأتي على دراستها بشيء من التفصيل تحت فصل تطور السلطة والتعديلات الدستورية والتشريعية. إنها لجان محددة المهمة والجهة التي تتبع لها والغاية التي أنشئت من أجلها وبسببها.