1

مراحل نشوء الحزب وتحديد السلطات /1/

دستور الحزب

لم يكن هدف سعاده من سؤاله عن سبب ما تعانيه الأمة من ويل، المعرفة العلمية فحسب، بل وكما قال في رسالته التي بعث بها إلى الأستاذ حميد فرنجية والتي كانت محور هذا الكتاب، إن الهدف الأول هو الوقوف على السبب الذي أوصل الأمة الى ما هي عليه حتى إذا أدركه، عكف على البحث عن الوسيلة التي تمكنه من رفع هذه المعاناة.
إن وَضْعَ سعاده يده على هذا الويل ولِم يزخر به وجدانه من إحساس وطني، هذا الإحساس الذي أصبح بعدها إحساسا قوميًا عارمًا، كان وراء تأسيس الحزب الذي وضع عقيدته ليكون العامل الذي بِفِعْلِه بَعْثُ الأمة وتحقيق نهضتها فلنقرأ ما كتب:
“.. وبديهي أني لم أكن أطلب الإجابة على السؤال المتقدم من أجل المعرفة العلمية فحسب. فالعلم الذي لا يفيد كالجهالة التي لا تضر، وإنما كنت أريد الجواب من أجل اكتشاف الوسيلة الفعالة لإزالة أسباب هذا الويل.”
طبيعي، والهدف من تأسيس الحزب، تحقيق نهضة الأمة، أن تقوم هذه النهضة على مبادئ علمية، اجتماعية، سياسية واقتصادية مؤيدة بما يكفل سلامة مسيرتها لبلوغ مقصدها وتحقيق غايتها ولتعيد الى المجتمع تلاحمه ووحدته، فوضع دستور الحزب.
على أنه لا بد قبل البدء بدراسة دستور الحزب من بيان، أن دستور الحزب شأن غير دستور الدولة الذي هو وكما عرفه فقهاء الدستور “علم القواعد الحقوقية التي تنظم تأسيس السلطة السياسية وانتقالها وممارستها” أو كما عرفه المرحوم الأستاذ الدكتور مصطفى البارودي أستاذ الحقوق الدستورية في كلية الحقوق في الجامعة السورية في الصفحة 10 من كتابه “الحقوق الدستورية طبعة عام 1952” القواعد الحقوقية التي تبحث في التنظيم السياسي للدولة وأصول الحكم فيها. هذه هي الوظيفة الحقوقية لدستور الدولة، أما دستور الحزب فشأن مختلف إنه بيان عقيدته والغاية من إنشائه ووضع أسس وقواعد القيادة فيه وحدود صلاحياتها وانتقال السلطة وقواعد هذا الانتقال وإجراءاته. ولا يغير من الأمر شيئًا قوله إن الحزب السوري القومي الاجتماعي هو “دولة الأمة السورية مصغرة” فهذا تعبير مجازي يقصد به رفعة الحزب ومكانته وتمثيله حقيقة الأمة السورية والعامل على تحقيق سيادتها، الحزب هو انتظام بعض من أبناء الأمة في تنظيم عقائدي مناقبي علمي محدد الغاية، آمنوا بأنها مجتمع موحد الولاء موحد الانتماء في تنظيم عقائدي يعمل على النهوض بأمة لا على تأسيس سلطة سياسية، السياسة فيه واحدة من وسائل العمل على تحقيق الغاية، الدستور فيه تحديد قيادة ومؤسسات وإدارات ترعي قواعد عمله ونظام سيره، يؤكد ذلك ما أورده عن نشوء الدولة في كتابه نشوء الأمم: “وبديهي أن الدولة شأن ثقافي بحت لأن وظيفتها من وجهة النظر العصرية، العناية بسياسة المجتمع وترتيب علاقات أجزائه في شكل نظام يعين الحقوق والواجبات.”
دستور الحزب “1937”
يتألف دستور الحزب من ثلاث عشرة مادة تقع في قسمين، القسم الأول ويحدد غاية الحزب وعقيدته، نصت عليهما المادتان الأولى والثانية، المادة الأولى حددت غاية الحزب والمادة الثانية حددت عقيدة الحزب وتضم مبادئه الأساسية عددها ثمانية غير قابلة للتعديل لأنها تبين حقيقة ووجود الأمة السورية ونشوئها وبنيتها الاجتماعية، وشروط الانتماء للحزب. وتؤكد أن مصلحتها فوق كل مصلحة. ثم جاءت المادة الثالثة بمبادئ الإصلاح الاجتماعي وهي خمسة، أما القسم الثاني فيقع في عشرة مواد ويتناول السلطة في الحزب وهي سلطتان، السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية.
السلطة في ظل دستور 1937
السلطة بمعناها اللغوي القدرة، وأما بمفهومها الحقوقي فهي القوة التي يستمدها صاحبها من القانون الذي ينظمها وفي الحدود التي يرسمها، أو من إرادة طرفين إذا كانت ذات منشأ تعاقدي.
دستور الحزب الذي رسم في مقدمته طريقة نشوئه وحدد في مواده غايته وطريقة قيادته حدد أيضًا السلطات التي تنظم مسيرته فصنفها في:
• الزعامة
• سلطة التشريع
• سلطة التنفيذ
وقبل التفصيل لابد من الإشارة إلى المراحل الحقوقية التي انتهت بالدعوة إلى نشوء الحزب مستظهرين ذلك من رسالة سعاده إلى المرحوم المحامي الأستاذ حميد فرنجية الذي تولى الدفاع عنه غداة الاعتقال الأول، جوابًا على سؤاله ما الذي دفعه إلى تأسيس الحزب.
مر نشوء الحزب حقوقيًا في مراحل ثلاث:
• المرحلة الأولى: مرحلة البحث والكشف عن حقيقة الأمة وتحديد هويتها.
• المرحلة الثانية: مرحلة وضع مبادئ الحزب وقواعد تأسيسه.
• المرحلة الثالثة: مرحلة الدعوة والتعاقد.

المرحلة الأولى
بدأت هذه المرحلة بسؤال طرحه سعاده على نفسه، ما الذي جلب على شعبي هذا الويل؟ حين رأى مـا رأى وشـاهد ما شاهد مما مني به شعبه، سؤال كان وراء تقصيه عن الأسباب، فسار في عكس صفحات التاريخ بدءًا من الحال التي هي عليه يوم كان السؤال ورجوعًا في قراءة موضوعية متأنية تأني النطاسي الذي يفحص مريضه لتشخيص الداء وصولاً إلى كشف المرض وتحديد الدواء.
رجع سعاده عبر التاريخ إلى ما قبل الزمن التاريخي الجلي منقبًا في صفحاته يرافق مسيرته ويماشي حوادثه. كما عكف على دراسة علم الاجتماع ونشوء النوع البشري وتكوُّن المجتمعات فوصل بعد درس وتنقيب طويلين الى أن السبب يكمن في فقد الأمة هويتها، وانتهى إلى أن الأمة هي الأمة السورية وأنها أمة تامة، إنها وحدة الشعب السوري المتولدة منذ زمن طويل يرجع إلى ما قبل الزمن التاريخي الجلي، إنها أمة المَدينَة الأولى والامبراطورية الأولى وصاحبة الحضارة الأولى أم الحضارات في التاريخ.
لم يتنكب سعاده عناء البحث في الشأن التاريخي ليقال عنه باحث ومؤرخ، كما ولم يذهب في رحلة طويلة مع علم الاجتماع ليقال عنه عالم اجتماع ولم يشتغل في المجال السياسي لبلوغ منصب إنما قال:
“.. وفي هذه المسألة ابتدأ انفرادي عن كل الذين اشتغلوا في سياسة بلادي ومشاكلها القومية. هم اشتغلوا للحرية والاستقلال مطلقين فخرج هذا الاشتغال عن العمل القومي بالمعنى الصحيح أما أنا فأردت حرية أمتي واستقلال شعبي في بلادي والفرق بين هذا المعنى التعييني والمعنى السابق المطلق المبهم واضح.” ويتابع في الرسالة: “.. يمكنني أن أعين موقفي بالنسبة إلى موقف المتزعمين السياسيين من قومي، بأن موقفي كان يتجه رويدًا رويدًا حتى ثبت على الأساس القومي. بينما موقفهم كان ولا زال على الأساس السياسي والسياسة من أجل السياسة لا يمكن أن يكون عملًا قوميًا.”
– المرحلة الثانية:
في هذه المرحلة لم يقف سعاده على الأطلال ليبكي مجدًا ضائعًا، إنما وقف على قمم زغروس وطوروس، وِقفة قائد وَقَفَ نفسه وحياته على بعث أمة الحضارة الأولى. فقرر العمل على “تنظيم حركة تؤدي إلى استقلال الأمة السورية استقلالاً تامًا وتثبيت سيادتها..” فكان أن وضع مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي وأقـام القاعـدة الحقـوقيـة لتأسيسه.
من خلال هذا العرض، نتبين أن سعاده بدأ في المرحلة الأولى باحثًا، كاشفًا حقيقة الأمة ومحددًا هويتها وتاريخها الحضاري. ثم في المرحلة الثانية عزم على إنشاء حزب يعمل على النهوض بأمته وتحقيق سيادتها فوضع دستور الحزب”، الهيكلية التي يقوم عليها بناؤه محددًا فيه عقيدته والغاية من إنشائه ومبادئه ونظم السلطات فيه ووظيفة كل منها وحدود عملها. في هذه المرحلة انتهى دوره كمؤسس “هيئة تأسيسية”، لتبدأ المرحلة الثالثة.

المرحلة الثالثة
مراحل نشوء الحزب وتحديد السلطات

الزعامة – السلطة التشريعية – السلطة لتنفيذية
عن هذه المرحلة يقول سعادة: “بناء عليه، ولما كان العمل القومي الشامل المتناول مسألة السيادة القومية ومعنى الأمة، لا يمكن أن يكون خاليًا من السياسة، رأيت أن أسير إلى السياسة باختطاط طريق نهضة قومية اجتماعية جديدة..” فالعمل القومي الشامل لتحقيق السيادة القومية هو ما دفعه إلى تأسيس الحزب. وبعد أن وضع مبادئه ودستوره الراسم قواعد سيره وأُسس القيادة فيه وجه الدعوة لإنشاء الحزب على المبادئ التي تشكل عقيدته وعلى القواعد التي حددها الدستور. إن تأسيس الحزب، يقوم على مبادئ علمية اجتماعية واقتصادية وسياسية تعالج ما طرأ على الأمة خلال التاريخ نتيجة الغزوات وتفتيت نسيجها الاجتماعي إلى جماعات عرقية، طائفية، وطمس تاريخها ومعالم حضارتها وتجزئة وطنها الواحد إلى أوطان وإقامة إقطاعات عليها مما أفقد دورة الحياة الواحدة فيها، بهدف تحقيق نهضة أمة، فكان سعاده وكان الحزب.
الزعامة
أمةٌ، هذا ما آل إليه حالها، لابد وأن يكون قائد حركة بعثها من كَشَفَ حقيقتها ووضع مبادئ نهضتها وشَرَّع ضابط مسيرتها، لابد وأن يكون صاحب الدعوة الى اعتناق العقيدة القومية الاجتماعية هو قائد رَكْبِها ومُوَجِّهُ مسيرتها طيلة حياته، لذلك اشترط صاحب الدعوة على المقبل عليها، وضمانًا لصحة مسيرتها واتقاء للفوضى في داخلها، أن يكون الزعيم للحزب مدى حياته، فالزعامة إذن ذات منشأ تعاقدي وأما مصدر السلطتين التشريعية والتنفيذية فهو الدستور -المادة الرابعة- هنا يبرز الفارق في المعنى والوظيفة من حيث المصدر: قيادة الحزب نشأت بالتعاقد وبالتالي، فمصدرها إذن تعاقدي، في حين أن مصدر سلطتي التشريع والتنفيذ هو الدستور، زعيم الحزب هو الذي يسنّ القوانين باعتباره هو السلطة التشريعية وهو يقود الحزب بحسبانه صاحب السلطة التنفيذية، تعاونه في التنفيذ إدارات ينشئها لهذا الغرض، نصت عليها المادتان الرابعة والسادسة من الدستور ينظمها قانون إحداثها يبين وظيفة كل منها، وَيُظهر نص المادة السادسة من الدستور أن الهيئات التي ينشئها الزعيم لمعاونته هيئات تخصصية، وهذا طبيعي لأن الحزب هو حركة حياة، حركة بعث أمة وبناء نهضتها، حركة تعتمد العلم أساسا لمسيرتها، وهذا ما يفسر لنا لماذا بدأ سعاده دعوته الى القومية الاجتماعية في صفوف الطلبة، فما لم يكن العلم المحور الذي يقوم عليه البناء فإن مآله الانهيار، هذا ما يميز الحزب عن باقي الأحزاب السياسية، تلك محورها سياسي غير مبني على أساس عقيدة قومية اجتماعية فهي أحزاب نشأت لعمل سياسي من جهة ولمقاومة الانتداب، فإذا زال الانتداب زال سبب وجودها، يقول سعاده: “الحزب لم ينشأ خصيصًا لأن الانتداب موجود، بل لجعل الأمة السورية موحدة وصاحبة السيادة على نفسها. لم يتأسس الحزب لمجرد مكافحة الانتداب القائم، لأنـه لـو كان هـذا هـو السبب الرئيسي لكان من المحتم أنه إذا زال الانتداب كان زواله موجبًا لـزوال الـحزب لأن المُسَبّب يزول بزوال السبب.” – المحاضرة الثالثة- فالعقيدة القومية الاجتماعية التي تقوم على تحقيق وحدة الوطن السوري بحدوده الطبيعية الحاضن للأمة السورية الموحدة المصالح والمصير هي العامل الأساسي لحركة الحزب السوري القومي الاجتماعي، الوسيلة الأساس للعمل على تحقيق الدولة السورية بواقعها الاجتماعي الواحد – أمة واحدة، مجتمع واحد، سيادة كاملة على كامل ترابها القومي، دولة الأمة السورية، فالسبب في إنشاء الحزب هو شأن عقائدي قومي، وأما الشأن السياسي فيه فهو وسيلة من وسائل العمل على تحقيق النهضة القومية الاجتماعية. إن محور الصفحات السابقة من هذا الكتاب ، أو بالحري جميع صفحاته ، كان جواب سعاده على سؤال وكيله المحامي الأستاذ حميد فرنجية عن دافعه لتأسيس الحزب ، السؤال عن الغاية من التأسيس والتي جاءت المادة الأولى من الدستور لبيانها ، وتحديدِ رافعتِها ، عاملِ تحقيقها ، تحقيق هذه الغاية ، إنها عقيدة الحزب التي حددتها المادة الثانية من الدستور وجاءت المادة الثالثة لتضع قواعد إصلاح المجتمع السوري التي بها تستعيد الأمة السورية وحدتها الاجتماعية، وبالبناء عليها تسترد سيادتها وتحتل مكانتها اللائقة بها بين الأمم كما سبق القول.