1

مدرحية المعركة

لم يعد سرًا القول إن المشروع التحرري الذي استنبط بعيد الانتدابات والاستقلالات الشكلية في منتصف القرن الماضي، قد فشل فشلًا ذريعاً. فهو من جهة لم يستطع التحرير وتقديم أي إنجاز يذكر على المقلب الفلسطيني، كما أنه من جهة أخرى، فشل بإدارة الدولة الوطنية التي أراد من خلالها تحقيق الوحدة، صغرت تلك الوحدة أم كبرت.

ومما لا شك فيه أن الهجمة الاستعمارية كانت أفعى بعدة رؤوس، وقد استخدم المهاجمون كل أنواع الأسلحة المادية والروحية، دون رفّة جفن. في حين كان المدافعون أحاديّو السلاح، ولم يتلمّس المواطن من هذا السلاح، إلا حفظ السلطة والسلطان، الأمر الذي جعلهم هدفًا سهلاً بحيث وقعوا سريعًا في الفخ الذي نُصب لهم.

أما وقد وصلنا إلى ما وصلنا إليه، فقد استحدث شعبنا أسلوب المقاومة الشعبية ليرد بعض الهجمات على هذه الجبهة أو تلك، واستطاع من خلال مقاومته أن ينجز بعض التحرير، ويُفشل مشاريع كبرى أُعدت مسبقًا في أروقة الدول الاستعمارية. ولكي لا تقع هذه المقاومة في الفخ الذي وقعت فيه الأنظمة ذات الصلة، كونها مؤمنة بحتمية الانتصار من خلال الوازع الايماني، لا بد أن تأخذ بالحسبان وبقوة الاحتمالية بدل الحتمية أن توسّع الدائرة بعملية تحرير العقل الذي عليه أن يرافق تحرير الأرض.

إن البعد المدرحي للمعركة، واجب الوجود لاستمرارية المقاومة حتى الاستقلال التام وتحرير ما تبقى من أرض، وذلك لأن الفسيفساء الاثني والديني والمذهبي الذي يتصف به مجتمعنا، سهل الاختراق إذا ما بقي الوازع الديني والمذهبي أو حتى الاثني، هو المسيّر الوحيد للمعركة. النماذج القائمة حاليًا في منطقتنا، ليست محط أنظار الجمهور بشقيها السياسي البحت أو الديني الذي يتلمس السياسة، كما أن آليات عملها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاعلامية هي ما دون الوسط، والنقاط التي يمكن أن تحظى بها متأتية من كونها تقاوم فقط ليس إلا.

من كل ما تقدم، نأتي إلى خلاصة تقول إننا بحاجة لحوار جدي عميق حول جملة مسائل لإكمال المسيرة التي آلينا على أنفسنا تحقيقها في دحر الاستعمار وإقامة السيادة. وتلك المسائل سوف يضاف إليها غداً، مع ما يشهده العالم من تطورات فيما خص الاقتصاد والسياسة وبداية تبلور عالم متعدد القطبية، مسألة الإسهام والدور الذي علينا الاضطلاع به إذا ما أردنا الجلوس على الطاولة وعدم البقاء مقلدين في سوق الاستهلاك لتلقي ما يقدم إلينا من وجبات من هذه الدولة الكبرى أو تلك أو من هذا المحور أو ذاك.