1

قواعد تطور السلطة في الحزب

زهير قتلان

تطور الطبيعة القانونية للمجلس الأعلى

انتقال السلطة

    استشهد سعاده وسقط جسده وحلقت روحه تكللها عناقيد الملك السوري “مليكارت” لتحتل مقعدها اللائق في دار الخلود. ويبقى السؤال لمن تؤول القيادة بعد استشهاده؟ وكيف؟ هل تبقى قيادة الحزب بعد استشهاده فردية؟ وهل يصبح من كان مقبلاً على الدعوة، وأصبح بانتمائه عضوًا في الحزب، صاحب دعوة تجتمع له قوة الزعامة فيصبح مصدر السلطتين التشريعية والتنفيذية؟ كما ويكون له صلاحية تعديل الدستور؟ ويتم تعاقد المقبل على الدعوة حديثًا مع الصف الحزبي باعتباره “صاحب الدعوة مصدر السلطتين التشريعية والتنفيذية؟”

مؤمنًا بعدم ديمومة حياة الفرد، “أنا أموت لأخلد أما حزبي فباق” بهذا الإيمان وضع المؤسس حال حياته وقبل الدعوة، وضع أسس قواعد انتقال السلطات الحزبية وقيادة مسيرة الحزب لتحقيق ما تعاهدا على تحقيقه فكانت المادة الحادية عشرة من الدستور التي أظهرت أن الزعامة ليست هي القضية التي وقف الزعيم نفسه على تحقيقها، القضية هي، الغاية التي أسس الحزب من أجل تحقيقها. فالأفراد يأتون ويذهبون أما الشعب فباق، وأن المبادئ للأمة وليست الأمة للمبادئ، فكانت المادة الحادية عشرة التي  حددت آلية  نقل السلطة كأمر طارئ مستعجل ولمرة واحدة ولمن تنتقل، وكيف، والمدة التي يجب أن تتم خلالها – خمسة عشر يومًا من قيام المانع الدائم الذي حال دون ممارسة الزعيم صلاحياته الدستورية – كي لا يقع الحزب في فراغ دستوري، وتلافيًا لحدوث هذا الفراغ وبصورة استثنائية، جعل المجلس الأعلى الذي كان في حال ممارسة الزعيم صلاحياته الدستورية هيئة استشارية، ومقررًا لأمر في حالات أخرى، دون أن يكون صاحب  سلطة، ينقلب هذا المجلس الاستشاري  باستشهاد الزعيم، من هيئة استشارية وبنص الدستور الذي وضعه المؤسس إلى هيئة ناخبة لانتخاب “خلف” للزعيم ولمرة واحدة كما سنستظهره من نص المادة الثالثة عشرة من الدستور. وبعد انتخاب الرئيس يصبح هذا المجلس سلطة تشريعية بصورة مبدئية أيضًا إلى أن يصدر المرسوم الدستوري الذي يحدد طريقة انتخاب رئيس الحزب ومدة ولايته وطريق انتقاء المجلس الأعلى ونظامه الداخلي، هذا المرسوم الدستوري الذي لم يصدر، وسنرى أثر عدم صدوره ومعالجة هذا الأثر.

نخلص مما تقدم إلى أن الطبيعة القانونية للمجلس الأعلى المعين من قبل الزعيم تطورت على النحو التالي:

  • المجلس الأعلى هيئة استشارية يشكلها الزعيم
  • المجلس الأعلى هيئة ناخبة لمرة واحدة
  • المجلس الأعلى سلطة تشريعية بصورة مبدئية

   وهذا ما قررته المادتان الحادية عشرة والثانية عشرة.

   المادة الحادية عشرة:

   “يجتمع المجلس الأعلى بناء على دعوة من رئيسه في مدة خمسة عشر يومًا من تاريخ حيلولة أي مانع طبيعي دائم دون ممارسة الزعيم سلطاته لانتخاب خلف له.”

إجراءات توزع السلطة        

  المادة الثانية عشرة

     “يكون للرئيس المنتخب السلطة التنفيذية فقط وتحصر السلطة التشريعية من دستورية وغير دستورية بالمجلس الأعلى”

     إن الحزب السوري القومي الاجتماعي حزب العمل على تحقيق النهوض بالأمة وإعادتها الى ما كانت عليه منذ فجر التاريخ، أمة العلم والمعرفة، أمة متميزة جعلت علماء الآثار يسارعون إلى التنقيب عن مخزونها الحضاري على مساحة الوطن السوري، وإعادة قراءة تاريخ العالم في ضوء ما تم اكتشافه وما يمكن أن يكتشفونه عبر التنقيب. لهذا كان لابد أن يكون لهذا الحزب، لكي يتمكن من تحقيق ما التزم به، لابد وأن يكون له نظام وقواعد تضمن تحقيق الغاية التي وجد من أجلها وضبط سلامة سيره على طريق الحياة، التي وصفها سعاده بالطريق الشاقة الطويلة، التي لا يثبت عليها إلاّ الأحياء وطالبو الحياة، أما الأموات وطالبو الموت فيسقطون على جانب الطريق، إنها الطريق التي شقها سعاده وعبدها بدمه “لقد وضع سعاده لهذا الحزب، لهذه الحركة، نظاما  مرحليًا يأتلف مع عوارض الحياة والمقبل من الأيام، متوقعًا لهذه النهضة العظيمة عوارض تعترض سيرها، فسنّ إضافة لما ورد النص عليه بالنسبة في حال قيام مانع طبيعي دائم يحول دون ممارسة الزعيم سلطاته، قانون الطوارئ لمعالجة شأن القيادة وتنظيمها في حال تعرض الحزب والقيادة للملاحقة والاعتقال، قانونًا اقتضاه ظرف طارئ تجاوز فيه قواعد النظام الذي قال عنه:

    “وجعلت نظامه فرديًا في الدرجة الأولى مركزيًا متسلسلا ًمنعًا للفوضى في داخله واتقاء نشوء المنافسات والخصومات والتحزبات..” وهذا ما يفسر لنا اختياره الزعامة منطلق قيادة الحزب مدى حياته، لينتقل هذا النظام  بقيام مانع طبيعي دائم “استشهاده” من قيادة فردية إلى قيادة جماعية، قوامها سلطتان، رئاسة الحزب و تتولى سلطة التنفيذ، ومجلس أعلى له سلطة التشريع “إصدار القوانين”، ولتصبح القيادة بعد قيام المانع، من تعاقدية إلى انتقائية في مجال، وإلى انتخابية في مجال آخر، تجري على قاعدة الديمقراطية التعبيرية التي قامت على أساسها سلطة الزعامة، وليتجاوز كل هذه القواعد الى تنظيم إدارة الحزب في الحالات الطارئة كما أسلفنا، فسعاده الذي كشف حقيقة الأمة وهويتها ووضع أسس بعثها ومبادئ نهضتها هو المعبر عن إرادتها، لذلك يجب أن يكون انتخاب رئيس الحزب على هذه القاعدة ممن تجد القاعدة الناخبة في تاريخه الحزبي فهمًا غير عادي للعقيدة القومية الاجتماعية، وتجسيدًا لقيمها مقتديًا بالزعيم، وبأن استعماله سلطته لن يكون إلاّ في سبيل فلاح الحزب وتحقيق قضيته، هذا الفلاح الذي يجسده واقع العمل الحزبي ونتائجه الميدانية، وأن انتخابه لتنكّب أعباء هذه المسؤولية مدة يحددها القانون فلا ديمومة للقيادة الحزبية ولا توارث ولا تبادل.

   

المادة الثالثة عشرة

“إن مدة ولاية الرئيس المنتخب وطريقة انتخابه وطريقة انتقاء أعضاء المجلس الأعلى ووضع نظامه الداخلي تحدد فيما بعد بمرسوم يصدره الزعيم وتكون له صفة المراسيم الدستورية.”

  استشهد سعاده قبل أن يصدر المرسوم الدستوري الذي جاء النص على إصداره، وجاء استشهاده في وقت لم يكن هنالك مجلس أعلى ليتم انتخاب الرئيس على أساسه فوقع الحزب في فراغ دستوري، وسنرى في محلة من هذا الكتاب كيف تمت معالجته، معالجة هذا الأمر الطارئ ومشروعيته.

لا بد هنا من التذكير إلى أن المادة الثانية عشرة التي جعلت المجلس الأعلى مصدر السلطة التشريعية لم تجعل منه سلطة تأسيسية فلم تمنحه سلطة تعديل الدستور ” تنقل إليه سلطة التشريع” ولا يَنقُضُ هذا القول ما ورد في المادة “..سلطة التشريع من دستورية وغير دستورية ” والمقصود بالنص هنـــا التشريعات وفـق الـدستور وأما التشريعـات غيـر الدسـتورية التي لـم يـرد لهـا ذكـر في الدستور “مراسيم ، قرارات تنظيمية”، ويحدد أحكامها ومهامها مرسوم إحداثها وإذا كان صاحب الدعوة واضع الدستور، حجب عن نفسه صلاحية  التعديل قاصدًا بهذا الحجب، أن يكون الباعث على التعديل المصلحة القومية العليا بعيدًا عن سلطةٍ قد ترى من وجهة نظر سلطتها الرغبة في التعديل، ويجب قراءة  نص المادة الثانية عشرة على هذا الأساس ولهذا الغرض، ويضاف إلى ذلك أن الزعيم كما نصت عليه المادة العاشرة التي حددت من يقر التعديل، فهو ورغم أنه مصدر السلطة التشريعية، لا يملك بصراحة النص تعديل الدستور  والقاعدة تقول فاقد الشيء لا يعطيه.    

   نخلص مما تقدم الى أن القيادة في الحزب انتقلت من:

  • من قيادة فردية هي للزعيم فهو مصدر السلطتين التشريعية والتنفيذية بنص الدستور.. إلى
  • قيادة جماعية قوامها:

1 – رئيس الحزب

2 – مجلس أعلى

    هذه القيادة الجماعية ينظمها مرسوم يحدد مدة ولاية الرئيس المنتخب وطريقة انتخابه، وطريقة انتقاء أعضاء المجلس الأعلى ونظامه الداخلي. فما المقصود بكلمتي انتخاب وانتقاء وهل ثمة فارق بينهما؟ هل هما كلمتان مترادفتان تحملان ذات المعنى أم أن لكل كلمة منهما معنى يختلف عن الآخر كما اختلفتا في المبنى؟

 

    بين كلمتي الانتخاب والانتقاء

 عبارات وكلمات يجب التوقف عندها وقراءتها بتدبر قراءة الباحث عن سلامة مسيرة الحزب وحسن البناء القومي والتعامل مع طوارئ المسيرة وما يعترضها من عقبات وصعوبات وصولاً الى تجاوزها بهدف تحقيق غاية الحزب، من هنا وعلى هذا الأساس ولهذا القصد يجب التوقف عند معاني الكلمات ومقاصدها. لنعد إلى المادة الثالثة عشر من الدستور ولنحدد العبارات والكلمات التي يجب التوقف عندها وإعادة قراءتها بقصد بيان معنى كل منها وموقعها في النص لمعرفة المراد منه.

    نقرأ في المادة كلمتي انتخاب وانتقاء، ونتساءل هل هما في النص الدستوري مترادفتين تحملان ذات المعنى أم لكل منها تعبير غائي مختلف المعنى كما اختلافهما في المبنى؟

مرّ معنا في المادة الحادية عشرة أن المجلس الأعلى المعين من قبل الزعيم، يصبح باستشهاده هيئة ناخبة ولمرة واحدة، وهذا ما نجد مؤيده الدستوري  بنص المادة الثالثة عشر المبحوث فيها المقررة لانتخاب الرئيس وانتقاء أعضاء المجلس الأعلى بأن تحديد ذلك يتم بمرسوم يصدره الزعيم يحمل قواعد كل من الانتخاب والانتقاء وإجراءات كل منهما، المتعين بيان المراد من إيراد كلمتي انتخاب وانتقاء، انتخاب الرئيس وانتقاء أعضاء المجلس الأعلى هل هو من باب البلاغة في اللغة منعًا للتكرار فيما لو كانت الكلمتان مترادفتين تحملان ذات المعنى، أم للتمييز بالقصد في حال كان لكل منهما معنى يختلف عن الأخرى؟ تسعفنا في الإجابة  معاجم اللغة،  إن كلمة انتقاء والفعل منها انتقى تعني “انتقى العظم أي استخرج نقيه، ويقال نَقاوةُ الشيء خياره وخلاصته، والنقِّيُ كل ذي مخ” والمخ مركز مولدات النمو وغذاؤه، وأما نَخَبَ، فيقال انتخب الشيء أي انتزعه من بيئته،  ولعل ما يسلط الضوء في بيان المقصود، نص المادة العاشرة من الدستور أن أعضاء المجلس الأعلى قبل استشهاد سعاده مستشارون يُدْعَوْن لإبداء الرأي وإعطاء المشورة في الأمور الخطيرة في حياة الأمة وشؤون الحزب الداخلية، وهذا يبين أهمية وخطورة الأمر الذي يُنْدَب له المجلس الأعلى نظرًا لما يتمتع به كل من أعضائه من خبرة علمية تخصصية يستهدي برأي أعضائه وعِلْمِهِم؛ إذن يجب أن تتوفر في عضو المجلس كفاءة علمية تخصصية مقترنة بإيمان بالقومية الاجتماعية واستيعاب عميق لمراميها أما الرئيس الذي سينتخب، فله شروطُ تَرَشُّحِه إذ لكلٍ وظيفةٌ واختصاص، ولكلٍ مؤهلاته التي يتطلبها الموقع الذي سيكون فيه، الأمر الذي يؤكد أن الكلمتين مختلفتا المعنى،  فالمراد بالانتقاء هو الاصطفاء من النخبة العلمية التخصصية، لتحقيق الغرض وهو هنا إعطاء الرأي العلمي وتقديم المشورة حين يُطْلَبُ منه بيان رأي أو تقديم مشورة أو لتقرير خطة فاصلة في حالة الحزب، وأما الانتخاب فهو اختيار البعض من الكل.

لا بد من الإشارة هنا أيضًا، أنه لا يشترط أن يكون أعضاء المجلس الأعلى من الأمناء، فليس في الدستور نص يوجب ذلك، وإذا كان الزعيم قد اختار مجلسًا أعلى أعضاؤه من الأمناء، فلا يعني ذلك أن رتبة الأمانة شرط لازم كاف لعضويته. فالغاية من إنشاء المجلس الأعلى بحسب الدستور ما نصت عليه المادة العاشرة وهذا قد لا يكون متوفرًا لدى حامل الرتبة بل يمكن توفره بمن لديه المؤهل العلمي والخبرة ولو لم يكن حاملاً لها، إنه مجلس كفاءات وخبرات ونضج عقائدي.