1

غَيِّر الموجة – رئيس التحرير

خواطر في نهاية السنة

منذ أيام، نشر الرفيق والصديق العزيز رامي جلبوط السؤال التالي على صفحة فايسبوك خاصته: “هل هناك جسم قادر على وضع الأهداف والخطط وتنفيذها؟ أشعر بالحزن وأنا أرى الرفقاء قد تحولوا إلى طائفة باطنية جديدة، ولكنها عاقر.” فكان الحوار التالي:

أسامة: “هل هناك جسم قادر على وضع الأهداف والخطط وتنفيذها؟” نعم، هناك جسم قادر على وضع الخطط، اما تنفيذها فيتوقف على مدى تجاوب القوميين، واستعدادهم للانتقال من وصف المشكلة إلى المساهمة في حلها.”

رامي: “أحياناً أحس بأن البعض يعيش فقط ليصف المشاكل، ولا أعلم حقاً متى سينتهي التوصيف والتشخيص والانتقال إلى الحلول وأكاد أفقد الأمل.”

أسامة: “الموضوع بسيط إنه مثل تغيير موجة الراديو حين يكون عليه ما لا يعجبك. أعطيك مثلا. بقينا ننتقد وننق ونوصّف حول وضع صحيفة البناء ورئيس تحريرها ومضمونها. بعضنا غيّر الموجة وأصدر مجلة قومية هي الفينيق. وكان ذلك بعد دراسة وخطة. تغيير الموجة ليس سهلا، ولكنه أساسي في عملية التغيير. “تغيير الموجة” ولك هيدا بيصلح عنوان لافتتاحية! خليك عالخط ويسعدلي صباحك.”

هكذا ولدت هذه الافتتاحية. “غيّر الموجة”.

في الواقع أن قرار إصدار مجلة الفينيق اتخذ في مثل هذه الأيام سنة 2016. وأذكر نقاشنا، الرفقاء المؤسسون عبر اجتماع “سكايب”، بكل وضوح. كانت الضجة من خط سير البناء ورئيس تحريرها بين القوميين قد وصلت إلى ذروة. لم أعد أذكر من طرح السؤال البسيط التالي: “لماذا لا نؤسس مجلة قومية اجتماعية؟” توقفنا. بحثنا، وقررنا أننا سوف نصدر مجلة خلال مدة ثلاثة أشهر. وهكذا كان. صدر العدد الأول من الفينيق في شهر آذار من سنة 2017.

الرفقاء الذين واجهوا ما يتعرض له الحزب السوري القومي الاجتماعي غيّروا الموجة. ليس مهما كيف قرروا المواجهة، المهم أنهم قرروا ودفعوا الثمن. الرفقاء الذين يعملون بصمت لمساعدة رفقائهم في الوطن غيّروا الموجة. ليس مهما حجم المساعدة بمقدار أهمية القرار بالمساعدة. الرفقاء الذين يعملون لإعادة بناء الحزب بنيانا عصريا غيّروا الموجة. ليس مهما ما إذا نجحوا بسرعة أم أخذ الأمر وقتا. المهم أنهم بدأوا.

تغيير الموجة ليس سهلا. الخروج من الإحباط إلى التمرّد، من الوصف إلى البحث، ومن الثرثرة إلى الفعل ومن الاستكانة إلى القيادة، ليس سهلا. نفهم ذلك. ولكن ما لا نفهمه هو أن يستمر واحدنا في سماع النشاز دون أن يغيّر الموجة.

سنة صعبة

لقد كانت هذه السنة صعبة علينا جميعا. لقد كانت سنة تعرض فيها اللبنانيون لأكبر سرقة منظمة لمدخراتهم قامت بها الطبقة السياسية/المصرفية بالتعاون مع قوى دولية لا تريد الخير لنا. كذلك يتعرض المواطنون في الشام لسرقة مدخراتهم عبر خفض سعر صرف الليرة السورية إلى مستويات غير مسبوقة، وقيام شبكة من تجار الحرب بدعم من مراكز قوى في حزب البعث الحاكم بنهب موارد الدولة. يرافق كل هذا حملة تحريضية مذهبية يقوم بها وزراء وجمعيات مدعومة من الحزب نفسه.

لناهبي الشعب في لبنان، ولحزب البعث في الشام أن يتعظوا من عِبَرِ التاريخ أو ألاّ يتعظوا. ولكن العبرة التاريخية، “لو دامت لسواك ما آلت إليك”، حرية بالتمعن.

بين الحياة والموت

تكون في حالة بحث عن وصف للوضع الحالي الذي نعيشه في الوطن. تلجأ إلى سعاده، فلا يخيبك. تقرأه إذ يكتب سنة 1934، في ندائه إلى الجالية السورية في البرازيل قائلا:

“إنّ هذا العصر الذي نعيش فيه، والذي سيعيش فيه أولادنا، إنما هو عصر تنازع الأمم، عصر تتقيد فيه الأفراد والجماعات بمصير أممها، فإن كانت الأمة ناهضة، راقية، متقدمة في ميدان الحياة كان لأفرادها وجماعاتها مقام وكرامة على نسبة ذلك. وليس بين أمم العالم وشعوبها أمة أدرى منا، نحن السوريين، بنتائج مصير الأمم على الأفراد، أو شعب أكثر منا اختباراً بحاجة الأفراد والجماعات إلى كيان قومي معزز. ذلك أنّ وطننا الذي هو تراثنا وأساس وجودنا القومي كان في أكثر أزمنة التاريخ عرضة للغزوات الخارجية من الجهات الأربع فكانت هذه الغزوات تفكك ما كان قد اتصل والتحم، وتخرّب ما كان قد بني، وتقطع ما كان قد نما حتى بتنا مفرقين ومشردين، غرباء في البلدان البعيدة، غرباء في وطننا الجميل، النادر المثال، نُرمى هنا وهنالك بما نحن براء منه، ونُجبر هنا على أخذ ما لا نريد أخذه ويؤخذ منا ما لا نريد إعطاءه، ونحن قد اتخذنا من كل ذلك، الصبر معقلاً، وما أوهنه حصناً، وركنّا إلى قوة القول، والقول قوة تذهب في الريح.

إذا كان هذا العصر عصر تنازع الأمم فهو إذاً عصر أعمال، لا عصر أقوال. وإذا كان لا بدّ من القول فيجب أن يكون مدعوماً بالقوة العملية ليكون من ورائه نفع أو نتيجة واقعية، ونحن أمة واقفة، الآن، بين الموت والحياة، ومصيرها متعلق بالخطة التي نرسمها لأنفسنا والاتجاه الذي نعينه.”

تقرأ هذا الكلام، فينقطع النفس في صدرك. تشعر أنك تكاد تختنق. أي رائي كان هذا الرجل. تتذكر أنه اختصر كل هذا الكلام في شكل آخر، تبحث في ذاكرتك…أين، متى. يأتي الجواب من رسالة له إلى إدفيك جريديني شيبوب سنة 1938:

“كلنا يجب أن نكون لسورية، لأنه قد جاء الوقت الذي إذا فات ولم نفعل شيئا في سبيل حريتنا فإننا ساقطون في عبودية شديدة طويلة. يجب أن نصبح أمة حرّة لكي يصبح الحبُّ السوري حبَّ أحرار لا حبَّ عبيد والحرّ لا يمكنه أن ينعم بالحبِّ في العبودية.”

إننا نعيش عصر العبودية في سورية اليوم. سعاده غيّر الموجة، حاول، أسس، بنى، استشهد. هل نغيّر نحن الموجة؟ هل نغير التاريخ؟ هذا هو السؤال.