1

غسان أديب المعلم يتفوق على الواقع بالخيال

سامي سماحة

غسان أديب المعلم، اخترع خلطة جديدة، مزج فيها بين التخيّل والواقع، فأنتج قيادة سوريّة للكون.

وأنا أقرأ قصة الخوري سمعان مع الشيطان، وردني على “الوتس آب” فيديو جاء فيه أنّ صبيّة دخلت إلى غرفة الاعتراف في الكنيسة، واعترفت للخوري بأنّها زنت مع فادي، فطلب منها الخوري أن تستغفر الله وتضع خمسمئة ليرة في الصحن، وتكرّر المشهد مع عديد الصبايا، وتكرّرت التفاصيل وتكرّر اسم فادي، حتى امتلأ الصحن بالمال. عندها ظهر فادي وطلب من الخوري نصف المال الموجود في الصحن وإلّا سيترك الضيعة، فوافق الخوري وأعطاه نصف المال.

باعتقادي أن ذلك لم يحدث صدفة، إنّما هو حدث شاءه القدر ليؤكّد صحّة الفكرة.

اختار غسان، الأوّل من نيسان بدايةً لأحداث روايته، وأعتقد أنّه أراد أن يضعنا أمام احتمالين:

احتمال الكذبة، ليصبح كلّ شيء مبرّر، واحتمال عيد رأس السنة السوريّة “الآكيتو” الذي يعتبر أنّ “الفرح بداية الحياة”. ويضعنا أمام اعتبار العمل محطّة من محطّات الإبداع الثقافي والفكري في بلادنا.

لو فينا.. مصطلح يفتح بوابة ليعلن بداية طريق لا نهاية له. فالاكتشاف ميزة العقل، والأسرار ميزة الكون والاجتماع البشريّ، والتفاعل بين العقل والأسرار التي يكتشفها، يمنح الحياة جودةً متطوّرةً لا تقف عند حدّ، وتؤكّد ما قاله أنطون سعاده: كلّما وصلنا إلى قمّة تراءت لنا قمم.

أحسن غسان عندما افتتح الرواية بالحديث عن الخوري سمعان، لأنّه بذلك دخل إلى عٌمق المشكلة التي يعاني منها مجتمعنا، فالحاجة إلى الشيطان، هي لاستمرار سلطة رجال الدين السارقة لحقوق الناس والمتاجرة بأحلامهم.

حقيقة مثبتة، وآخر فصولها ما سُمّي بالربيع العربي، وما حصل في لبنان والشام خاصّةً، حيث كشّر رجال الدين عن أنيابهم، وأعلنوا حماية الشيطان دون أن يرفّ لهم جفن أو تهتزّ شعرة إيمان.

غسان لم يكتب، بل كان يرسم بالكلمة بدلاً من الريشة. يرسم لوحةً غير مألوفة، لم يتجرّأ قبله أحدٌ في العالم العربي أقلّه أن يدخل إلى تفاصيلها. فصورة الأمير التي هي الجزء الأساسي في اللوحة، عصيّة أكثر من القراءة الأولى الاستيعاب، وعصيّة على التفكيك حتى من القراءة الثانية والثالثة.

أمير، هذا الرجل البسيط المقاوم الذي رفض الالتحاق بصفوف من زعموا أنهم ثوّار، وقاتلهم ورفض الانصياع لمشاريعهم المشبوهة. رسم الرصاص خرائط على جسده، ولم يمت، وبدأت رحلة الأمل.

لم يمنحه وطنه شيئاً، لكنه كان يتنفّسه عشقًا وأملاً.

إنّ الخروج غير الشرعيّ من الشام والدخول غير الشرعيّ إلى لبنان، حدثٌ عاديّ يحدث في اليوم مئات المرّات، أمّا السفر بواسطة المنطاد من شواطئ طرابلس ومصادفة الهليكوبتر وفيها الياباني والنيجري والأمريكي والبريطاني، وهي تنطلق من عوكر، وتعليق المنطاد بذنب الطائرة، فهذا حدثٌ غير عاديّ.

تؤكّد النجاة بعد طول الرحلة على استمرار الأمل، وتؤكّد سيجارة الحمراء، التي كانت وسيلة الترفيه الوحيدة للناجين جميعًا، أنّ السوريّ في الأزمات الكبيرة يحمل بجيبه وسيلة الاطمئنان المُريحة لكلّ المجتمعين، بدءاً من سبحان مقامه حتى العدوّ الأمريكي.

ينجو أمير من الموت، وهو المُعلّق على مقصلة الطبيعة، ومقصلة الله ومقصلة الطائرة، فتشكّل نجاته أعجوبة تفوق قدرة قوى الاستكبار التدميريّة. فالأمل عند السوريّين أقوى من الموت.

دخل غسان في لعبة التخيّل، فتفوّق على الخيال في طريقة تخيّله للأحداث وطريقة سرده للوقائع، واستطاع أن يُبدع واقعًا جديدًا يقوم على قوّة التفاعل بين الخيال والواقع. يوزّع الضمير على المجتمعات من فوق، ويعاقب بالسجن في سجن أبو غريب.

يمنع الحرب المدمّرة بين الدول الكبيرة، فيؤكّد بأنّ الخير من السوريّ الذي صادر دور سبحان مقامه، والشرّ من البشر التي فاتتهم المشاعر الإنسانية، فتغلّبت مشاعر الكسب ولو كانت بأبشع الوسائل التدميريّة على مشاعر الحقّ والخير والجمال. يؤكّد على الطبيعة الإجراميّة للأمريكي وعقليته المؤامراتيّة.

نجح الكاتب في صناعة ممّر يتداخل فيه الواقعي بالخيالي، فيتحدّث عن الأزمات العالمية، فتخاله يكتب مقالة سياسيّة، وفجأة ينتقل إلى الحاسوب والجوّال ويعود إلى الصورة المُتخيّلة.

حسناً فعل الكاتب عندما أشار من البداية للتناقض السوريّ الأمريكيّ وأكّد على هذا التناقض في كلّ الأحداث التي كانت تتعلّق بالطرفين.

مازال الكاتب غسان المعلم، يؤمن بأن النفسيّة السوريّة نفسيّة إنسانيّة راقية قادرة على تعليم مفاهيمها لأمم العالم، لذلك أشار إلى أنّ قاموس اللغة المتداولة هو قاموس اللغة العربية، وأنّ كلّ من يشارك، سبحان مقامه، في غرفة القيادة اكتسب اللغة العربية.

ويؤكّد أيضًا على أن خيرات بلادنا هي الدواء الشافي لعلل الناس، فكانت الليمونة السوريّة العلاج الشافي للجميع.

أبدع الكاتب عندما تحدث عن “آصنص” الخلق، وأعطى لنزار قباني والماغوط وغيرهم جِبلتهم، إلى أن خصّ أنطون سعاده بآصنص العقل الذي يعتبره الزعيم الشرع الأعلى.

غسان ثائر من طراز رفيع، يقول كلمته ويمشي ولا يفكر بالعواقب ولا بالانتقادات التي يمكن أن يتعرض لها.

فالثوري الحقيقي هو المناضل المتخطي لقواعد المجتمع السلبيّة السائدة.

غسان أديب المعلم

مواليد حمص 1977، المؤهل العلمي حقوق، له عمل تلفزيوني يحمل اسم “مجد وغاردينيا”، وعمل مسرحي لصالح اتحاد نقابات العمال باسم “منعطف تاريخي”، وله عدد من المقالات في بعض الصحف والمواقع السورية.