1

صحيح… لمن نكتب؟

أحمد أصفهاني

كتب الرفيق العزيز سامي سماحة أمس الأول، كلمة بعنوان “على من تقرأ مزاميرك يا أمين أحمد؟” جاءت تعقيباً على مقال وزعته أمس الأول تحت عنوان “الانتخابات اللبنانية وعارنا النيابي”. وقد استحضر في سياق مقاله مجموعة من الأمثال الشعبية بهدف وصف أوضاعنا الحزبية، وعلاقة القوميين بـ”القيادات الحزبية”، كما وعلاقة القوميين فيما بينهم.

لا أظن أنه يوجد بين القوميين الاجتماعيين من هو أعمق مني في معرفة مئات الأمثال العامية التي ينطبق قسم كبير منها على ما وصلت إليه أمورنا القومية العامة والخاصة. فقد صدر لي سنة 2013  كتاب “شاف… وغشي: أمثال من تحت الزنار” يضم 500 مثل من بلادنا والعالم العربي. وخلال عزلة جائحة الكورونا أنجزت طبعة جديدة تحتوي على 700 مثل، إضافة إلى ملاحق عدة ومختارات من التاريخ القديم. لكن قاتل الله جائحة الكورونا التي منعتنا من إصدار الطبعة الثانية، وحرمتنا من تزويد الرفيق العزيز سامي بمزيد من ذخائر الأمثال الجريئة لاستخدامها حسب الطلب!

يمكن لأي رفيق أن يعثر على أمثال قاسية قد تُغني عن مطولات كتابية من تلك الأنواع المنتشرة بلا قيود ولا ضوابط عبر وسائط التواصل الاجتماعي. لكننا في ظرف يستدعي من كل رفيق قادر أن يساهم بإضاءة شمعة، تاركاً لعن الظلام لمن ينطبق عليهم قول الحطيئة:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها     واقعد فأنت الطاعم الكاسي

الرفيق العزيز سامي محقٌ في أسئلته، فالتجارب المريرة التي خاضت بنا وخضناها لا تبشّر بالخير. وهو يحاول أن يضيء شمعة، وفي الوقت ذاته يستمر في صبّ لعناته على الظلام.

أما بالنسبة لي، فكلما كتبتُ مقالاً، سواء وزعته أو ترددت في نشره أو نزلت عند نصيحة رفقاء أعزاء بضرورة وأده… في مطلق الأحوال ينتابني هاجس التساؤل: لماذا أكتب؟ ولمن أكتب؟

يُرجعني هذا التساؤل إلى عبارة سمعتها من أحد الرفقاء قبل سنوات، بينما كنا نتأمل صورة سعاده في مطار سان باولو سنة 1947، متأبطاً كتبه ومسرعاً خطواته نحو الطائرة التي ستقله إلى الوطن. علق الرفيق بمرارة واضحة: لماذا أسرعت بالعودة يا “مجنون”؟

صحيح، لماذا عاد؟ ألأنه جُنّ بالأمة؟ أم لأنه آمن بأصالة شعبنا حتى لحظة اختراق “رصاصة الرحمة” رأسه المدمى؟

ألف سؤال وسؤال.

أنا لا أملك الأجوبة المطلقة، وأشك في أن أحدًا آخر يملكها. الكتابة هي محاولة دؤوبة لبلوغ نوع من الوضوح، لعلنا نطفئ توقنا الوجودي إلى الحقيقة… ونستفز في الآخرين كوامن الحق والخير والجمال.

إذًا، لمن نوجه الكلام؟

إنني أخاطب كل الناس من خلال مخاطبة أناس بعينهم. المضمون بالنسبة لي أهم من الذين تتم مخاطبتهم. مقياس قيمة الكتابة يكمن في مصداقيتها، سواء تبناها الآخرون أم أودعوها سلة المهملات. قد تكون كلمة حق عند سلطان جائر، فلا يضيرها أو ينتقص من قدرها أن تقع على أذن صماء.

أفظع ما يمكن أن يحدث للشخصية القومية الاجتماعية أن تتقنفذ على ذاتها، أن تنطبق عليها شكوى المتنبي: فيك الخصام وأنت الخصم والحكم. مأساتنا أن نتصور أنفسنا “الفرقة الناجية”، لأن كل الفرق المتخاصمة والمشرذمة مصيرها إلى النار… حتى ولو ظنت أنها الناجية الوحيدة!