شعب نخب ثالث!
زيد قطريب
تفاقمت الخلافات بين الحكومة والشعب، في إحدى بلدات بحر البلطيق. ووصلت الأمور بين الطرفين إلى الشيطان الرجيم. “البلاطقة” أقسموا “مية دين ومية يمين”، بأنهم لن يتراجعوا عن نيل حقوقهم قيد شعرة. أما الحكومة فاتهمت الشعب بأنه زوّدها وأصبح التفاهم معه أشبه بالمستحيل!
فكرت الحكومة بإصدار قرارٍ يقضي بزجّ الشعب في السجن! لكن الشعب كان مترامي الأطراف ولا يمكن لزنزانة أن تحتويه!
بعض الوزراء قالوا: لندعه يشهق فلا يلحق. لكنهم استبعدوا هذه الطريقة بعد أن جربوها سابقًا، فالشعبُ ظل يشهق ويخترع السبل كي يلحق. وزراء آخرون قالوا: لنعامله بالتودّد والترغيب، فالشعوب تُطرب للكلام المعسول. لكنهم تراجعوا قائلين إن ذلك يشكل تنازلاً يجعل “الخسَّة” تكبرُ في رأس الشعب، فيطالب بالمزيد. وزراءٌ قالوا: دعونا نعطي الشعب من الجمل أذنه، فلربما يحلّ عنا ويُخرس انتقاداته قليلاً. فردّ آخرون بأن الشعب إذا أخذ أذن الجمل اليوم، فسيطالب غدًا بالجمل وما حمل!
احتارت حكومة بحر البلطيق ماذا تفعل. اتصلت بحكومة مثلث برمودا تسألها إن كان بالإمكان إخفاء الشعب بشكل غامض في مثلثها الشهير. لكن حكومة المثلث قالت إن ذلك صعب جدًا، لأن البلاطقة لم تجدِ معهم كل عوامل الانقراض، وبالتالي فإن اختفاءهم بشربة ماءٍ، كما تتمنى الحكومة، لن يقدر عليه المثلث المعروف بابتلاع السفن فقط!
أرسلت الحكومة وفدًا اقتصاديًا إلى الصين، لبحث إمكانية استيراد شعبٍ نخب ثالث يناسب توجهات الحكومة. الوفدُ قال: نريد شعبًا لا يهشُّ ولا ينشّ، “إلو تمّ ياكل ومالو تمّ يحكي”، شعبًا لا يعرف “الخمسة من الطمسة”. معطَّل الأوتوماتيك، ويتم تشغيله يدويًا كلما أرادت الحكومة!
عاد الوفد بعد يومين ومعه علبة صغيرة فيها الشعب الجديد. فاجتمعت الحكومة على جناح السرعة وهي تحبس الأنفاس من أجل تجريبه قبل أن يباشر العمل.
في احتفال ضخم، فتحت الحكومة العلبة ثم أدارت مفاتيح الربط عند الروبوت الذي ظهر ساكنًا تمامًا.
فتح الشعب الجديد عينيه ثم قام يتمشّى وهو يوزّع نظراته المندهشة على المكان ووجوه الحاضرين، كأنه غير مصدق ما يراه. الشعبُ الجديد، المصنف نخبًا ثالثًا، صرخ بالفم الملآن: العما.. ولك كيف متحملين؟ عرفتوا كيف؟