1

زيت على النار

يُحكى أن وراء وعد بلفور الذي أعقبه سايكس/بيكو، اختبأت المادة النفطية. فقد كانت أعين البريطانيين جاحظة باتجاه آبار النفط، إذ كانوا يملكون أول أسطول بحري يعمل على الطاقة الجديدة التي حلت مكان الفحم الحجري. واستطاعوا بعد الحرب العالمية الأولى أن يتركوا الفتات للفرنسيين في لبنان والشام ويضعوا أيديهم على آبار النفط في الجزيرة والرافدين. وعينوا على كل بئر قبيلة من قبائل العرب، رغم وعودهم للشريف حسين أن يقيموا له مملكة عربية مترامية الأطراف إذا ما وقف إلى جانب الحلفاء ضد السلطان العثماني.

ذاك التفتيت الذي حصل في حينه، أنهى مفعول العروة الوثقى الذي أقامه الإسلام الرسولي، مما أدخل المنطقة في نفق قديم جديد، بحيث عادت إلى نغمة الأصل والفصل.

إثر الحرب التشرينية عام 73، جاء إعلان الملك فيصل بتسكير حنفيات الضخ للمادة ليصب الزيت على النار، فأسرعت الشقيقات السبع – كبريات الشركات الأميركية – لتسكير بؤرة فيتنام، وطردت نيكسون، الرئيس الرافض للقدوم إلى الشرق الأوسط ووحوله، من البيت الابيض عبر فضيحة “ووتر غايت”. وفي السنة نفسها أي عام 74، قسمت قبرص وتلتها حرب ال75 في لبنان وكرّت السبحة وصولاً لما دعي الربيع العربي.

إذا كان سايكس/بيكو النفط، قد حصل إثر انهيار السلطنة، فإن ما عجّل في سايكس/بيكو الغاز، هو الوعي البيئي حيث اعتبر النفط الملوث الأول للبيئة.

إنها لمفارقة أن يتمظهر “عدو” صانعي السياسات الدولية في بلادنا بمظهر الدين، فيتولى القيّمون على مكّة، كونهم أدرى بشعابها كما يقول المثل، المفاوضة باسم أصحاب الأرض بين المحيط والخليج، ومن وراء الستار في القرن الماضي. لكنهم كانوا أدرى بشعاب مكة ومصالحها، وليس كل شعاب المنطقة، فضاعت فلسطين وكاد يضيع لبنان والشام والعراق. والملفت أن مكة تلك، قد تم توسيع رقعتها فانضمت اليها الدوحة وأبوظبي، هذا الانضمام حصل للأولى بسبب أنها في وضع تنافسي مع دول الهلال الخصيب، بما خص مادة الغاز. والثانية بسبب خط المواصلات البحري ودور جبل علي اللوجستي، خاصة بعد إنشاء الصينيين مرفأ جوخدار الباكستاني. إخفاق القطريين في دمشق وعدم قدرة الأتراك عبر الاخوان المسلمين على توسيع رقعة نفوذهم في مصر وتونس والشام، أحيا محاولات مكة لكمش أوراق التفاوض.

إذا كانت مكة القديمة قد لعبت دوراً بسبب الدين، فإن حال مكة الجديدة لا تسر صديق ولا تضر عدو، بل العكس تمامًا. إنها تتخبط باليمن وتتمرمغ بوحول زواريب بيروت، مع فارق بسيط، أن دورها المستور في دعم قوى سياسية على علاقة تاريخية بالصهاينة أصبح مكشوفًا.

في الخلاصة، إن الأمة اليوم مع كل ظروفها الصعبة السياسية والاقتصادية والعسكرية تسعى لتحويل التفتيت الذي لحق بها إثر سايكس/بيكو النفط، الى عنصر إيجابي في توزيع أدوار المواجهة بين العواصم الثلاث، بغداد ودمشق وبيروت. والملفت أن بيروت تلعب دورًا اساسيا في إجهاض مشاريع سايكس/بيكو الغاز، وهي لن تتوانى، رغم القهر الذي لحق بها من الأشقاء قبل الأعداء، عن لعب دور “صغير القوم خادمهم”. لكن على القوم أنفسهم أن يعوا أن رهاناتهم التاريخية لم تدعهم يحضرون العيد لا بالشام ولا بدمّر، ونأمل أن يكون في مجريات التاريخ درس لنا جميعًا للبدء بمسيرتنا وبناء غدٍ أجود في عالم أفضل.