1

خراب المخيلة وغياب ينابيع الثقافة!

شام قطريب

لا يجتمع جيل اليوم على ينابيع ثقافية واضحة، فإذا سألنا عن القراءات التي ساهمت في صياغة شخصية شباب اليوم، سنفاجأ بأن معظم الشباب لا يقرؤون، وأن من يقرأ، مشغول بالترجمات الغربية للروايات في الدرجة الأولى، ومن ثم تأتي بعدها كتب الاختصاص بالنسبة لطلبة الجامعة المهتمين بتطوير الذات. وإذا ما نظرنا إلى المناهج التربوية في جميع كيانات الأمة السورية، سنرى حجم الكارثة حيث تغيب الخصوصية المحلية بشكل شبه كليّ، ويبقى الاهتمام بالمواد العلمية واللغات الأجنبية من أجل مواكبة العصر ورفع الحظوظ في الحصول على وظيفة مناسبة في المستقبل!

المكتبة المركزية في جامعة دمشق

إذن، الجيل ينمو بلا مشاريع تنوير ترشده إلى الطريق، في ظل انتشار للخطاب الديني الذي تولى المهمة بعدما استقالت الأحزاب أو غرقت في صراعاتها الداخلية. نسأل الشباب كيف تحكمون على أموركم الحياتية؟ هل اعتمادًا على العادات والتقاليد، أم بناء على مفهوم الحلال والحرام الذي يحدده الدين، أم بالرجوع إلى نصائح الأهل والأصدقاء؟ سنكتشف أن خليطًا هجينًا يحكم ثقافة اليوم ويتحكم بالتربية ورسم ملامح الشخصية. إن نظرةً إلى الفنون التي يمارسها الشباب وطبيعة الموسيقا التي يستمعون إليها، إلى جانب كيفية تمضية أوقات الفراغ، كل هذا يمكن اعتباره مؤشرات يمكن أن نستنتج منها تلك الينابيع التي أنتجت تلك العادات. لن نستغرب أن بعض الكتب تنتشر بعامل الموضة والثقافة الشفهية المتناقلة بين الشباب، كالإقبال على قراءة روايةٍ محددة تدرج لفترة معينة من الزمن، ولن يكون غريبًا أن الكثيرين يكتفون بقراءة العناوين والمقالات القصيرة على الانترنت دون الغوص في العمق.

من الناحية العملية، فإن ما أشرنا إليه أعلاه، يسبب خرابًا في المخيلة، وتشويهًا في الانطباعات الإبداعية التي يمكن أن ينتجها الجيل الشاب إذا ما مارس أحد الفنون كالرسم والموسيقا والكتابة وغيرها. فغياب الخصوصية يعني حضور التقليد، وعدم المعرفة بتاريخنا القديم يحول الإنتاج إلى نسخ مستوردة من الغرب.

سنحاول تقصي الحقائق عبر عينات من جيل الشباب الذين يتلمسون مستقبلهم أثناء الدراسة الجامعية، ترى ماذا يقرؤون؟ وإلى أي موسيقا يستمعون؟ من هم قدوتهم في الحياة والعمل؟ وإلى أين يطمحون؟ فلنتابع..

سامر عجيب، طالب سنة ثالثة إعلام:

السؤال يبدو غريبًا بعض الشيء! فثقافتي العامة جمعتها من الأهل ومن مشاهداتي في الحياة. أقرأ بعض المقالات اللافتة على الانترنت، أما بالنسبة للكتب، فللأسف أنا لا أقرأ شيئًا لأنني لا أمتلك الوقت الكافي. صحيح أنا طالب إعلام ويفترض أن أبني ثقافة في شؤون المجتمع والسياسة والأدب وغير ذلك، لكن لم أوفّق حتى اليوم بالعمل على هذا الموضوع بالشكل المثالي.

مريم خوري، طالبة إنكليزي سنة أولى:

لا يترك لنا الواقع الصعب الذي نعيشه اليوم، أي مجال للاعتناء بالثقافة وزيادة المعلومات حتى في اختصاصاتنا. أنا أتبع دورات محادثة اختصاصية باللغة الإنكليزية، وسوى ذلك يأتي في المرتبة الثانية إذا ما تبقى لي بعض الوقت. بصراحة أنا لا أعرف الكتب المهمة التي يجب أن أقرؤها، وكيف أبني شخصيتي من الناحية المعرفية. هناك زحمة معلومات في هذا العصر والانتقاء يبدو صعبًا جدًا.

علي عبد الله، طالب سنة ثانية علوم سياسية:

دخلت هذا الاختصاص لأنني أحبه، وعلميًا فإن المنهاج الجامعي يتضمن ثقافة واسعة للطالب، لكن الجميع يتعامل مع الكتب الجامعية كواجب من أجل الامتحان. أعتقد أنني أمتلك أرضية ثقافية جيدة بالنسبة لأحوال منطقتنا والأحداث التي تتعرض لها، والعبر التاريخية التي لابد من الاستفادة منها، لكن كل هذا لا يمكن أن يظهر إلا في المستقبل عندما أعمل على تأليف كتب خاصة بي أو عندما أقوم بالتدريس في الجامعة والمشاركة في الندوات الفكرية.

هيام سامرائي، طالبة فنون سنة ثالثة:

درسنا في الجامعة جميع المدارس الفنية، وتدرّبنا على الرسم التشريحي للإنسان، وبدأ الكثيرون منا يكتشفون مواهبهم حسب الاختصاصات التي يفضلونها. إن البحث عن خصوصية سورية في الرسم يعتبر أمرًا صعبًا. فهذا الفن متأثر اليوم بما يجري في العالم حيث يقع الجميع في مطب التقليد. لاشكّ أن دراسة تاريخ الفنون ضرورية بالنسبة للطالب كي يعرف أن يقف في سلسلة التطور السريع للفن. لكن هذا الأمر ليس سهلاً، فالمراجع قليلة، والوقت ضيق، والجميع يحاول أن يبحث عن نفسه.

أسئلة ومفاجآت

حتى نحصر الأمر بشكل أكبر، وجهنا سؤالاً للشباب حول عدد الأنهار في سوريا؟ لكن الجميع لم يعرف! سألنا عن منبع نهر الفرات، فقال معظمهم إنه ينبع من الأراضي التركية! قلنا لمن يدرس الفنون الجميلة لماذا لا يتعمق في الفن التدمري ويعرف ميزاته فعسى هذا الأمر يعطيه ميزات في أعماله المستقبلية. لكن لم يعرف أحد شيئًا عن تدمر سوى تمثال الملكة زنوبيا الذي يعرض كثيرًا عند الحديث عنها! سألناهم كيف سيضيفون انتاجًا مختلفًا إلى المكان الذي يعيشون فيه وهم لم يكتشفوه بعد ولم يطلعوا على تاريخه ومنجزات الأجداد فيه؟ رفعنا السقف أكبر في الاستفسارات، فسألنا الوحدة الاجتماعية وسطوة الدين السياسي على الشباب، وإمكانية البحث عن حلول اقتصادية عبر اللجوء إلى خيارات البيئة المحلية التي تؤكد الدراسات أنها غنية وقادرة على العطاء عوضًا عن الاستيراد؟ وبالطبع فإن اختيار هذه الأسئلة تم بناء على اختصاص كل طالب في الدراسة الأكاديمية، لكن القاسم المشترك بين إجابات الجميع، كان الحيادية والقول إنها مهمات أناسٍ آخرين! إذا كان الأمر كذلك فعلاً، فما هو حال المخيلة التي سنعثر عليها عند أبناء الجيل؟

نفور من السياسة!

البحث في هذه القضايا الجوهرية، يؤكد وجود خلل كبير في روحية الجيل وثقافته واتجاهاته. فعلى صعيد السياسة، فإن الكثير من الشباب يعزفون عن الاهتمام بالأحزاب والاتجاهات السياسية الموجودة في الساحة، والسبب هو فشلها وعجزها عن تحقيق أهدافها، وانغماسها في الصراعات الداخلية. “فإذا كان أصحاب مشاريع التنوير على هذه الحال، فكيف نذهب إليهم؟” هكذا قال معظم الشباب!

على الجانب الآخر، لا تبدو المؤسسات الرسمية المعنية بالثقافة والتربية، أفضل حالاً، فالأخطاء الموجودة في المناهج، إلى جانب غياب مفاصل هامة من تاريخ القديم عن الكتب المدرسية، كل ذلك جعل الأمر معقدًا أكثر، كأن هذا الجيل يكبر بلا تخطيط، أو في أفضل الأحوال على المصادفات التي ستسحم كل شيء، سواءً كانت سلبيةً أم إيجابية.