1

خدنا بدالو.. يا الله!

زيد قطريب

بعد مئة عامٍ من الجلوس في سدّة الحكم، صفنَ ملك قبائل الجلاميط، وقد استبدّ به القلقُ من الموت، وخاف من مواجهة الله في يوم الحساب. فاتصل برئيس الحكومة وقائد المخابرات ومسؤولي الأفرع الأمنية، طالباً منهم تجهيز أوراق ثبوتية مختومة وموقعة أصولاً، تؤكد نزاهته في الحكم، كي يحملها معه إلى السماء عندما يمثل أمام الله سبحانه وتعالى!

رئيس المخابرات قال إن الأمر يدعو للقلق فعلاً. فالعناصر المختصة قبضت على ثلاثة ملائكة كانوا يجمعون المعلومات عن الملك وظروف المعيشة في البلاد، ورغم أن اثنين منهما ماتا تحت التعذيب، إلا أنه يمكن الضغط على الثالث وشراؤه بالسلطة والمال، وتخصيصه بعقود استيراد حصرية أو تعيينه وزيرًا بصلاحيات واسعة مع أسطول من السيارات والخدم والحشم، مقابل أن يغير الإضبارة الخاصة بالملك ويجعلها نظيفة مئة بالمئة، بحيث عندما يضرب الإلهُ اسمَ الملك على “الفيش”، يتمنى لو أنه لم يرسل عزرائيل لقبض روحه، فيقرر إما إعادته إلى الحياة أو تخصيصه بمكان رفيع في الجنة!

راقت فكرة رئيس المخابرات للملك، وأمر بفتح الخزينة وتسخير جميع إمكانات الدولة من أجل شراء الملاك. وبالفعل أطلق سراح الملاك من السجن بعد أن اعتذروا لاعتقاله وأكدوا له أن الأمر مجرد تشابه أسماء. فتم إهداؤه “فيلا” فيها جميع وسائل الراحة، ثم بدأت الوفود الرسمية باصطحابه إلى تدشين المشاريع الاقتصادية والمناسبات الوطنية. واستعرض المسؤولون أمامه نسب الإنجاز الكبيرة في الصناعة والزراعة والتعليم، مؤكدين أن توجيهات الملك الحكيمة كانت وراء ارتفاع معدلات التنمية بشكل مدهش في جميع المجالات.

كل هذا لم يجدِ نفعاً مع الملاك “المتنّح”، ففي كل مرة كان يطالبهم بزيارة السجون والاطلاع على حسابات البنوك الخاصة بالملك والحاشية، كما كان يفتح دفترًا صغيرًا فيه جميع الشعارات التي عيّشوا الشعب بسببها عيشة الكلاب ولم يحققوا منها شيئًا.

مسؤول التوجيه والثقافة في المملكة، اتهم رئيس المخابرات بعدم القدرة على التصرف، وطلب الإذن باستخدام أساليبه الخاصة لتغيير آراء الملاك وجعله أمام موقف حرج يجعله لا يتردد في تصفير الخطايا في إضبارة الملك عند الإله، ليظهر عند “التفييش” أهم من المهاتما غاندي ونيلسون مانديلا..

في اليوم الثاني، بدأت قبائل الجلاميط بالزحف نحو فيلا الملاك وهي تنادي بحياة الملك، فيما عُقدت حلقات الدبكة ورُفعت أعلام عشائر الجلاميط الذين اجتمعوا من كل حدب وصوب كي يوقعوا وثيقةً تطالبُ الله بتأجيل قبض روح الملك مئة عامٍ أخرى ريثما يحقق أهداف الأمة. حناجر الشعب كانت تصرخ بكل قوتها أمام بلكونة الملاك: “يا الله.. خدنا بدالو.. يا الله..” عرفتوا كيف؟