ثقافة الشتم.. ثقافة العنف
“ما أعطي لأحد أن يهين سواه، قد يهين المرء نفسه.” (سعاده، نقلاً عن الكاهن الذي عرّفه)
تصلك رسالة من رقمٍ مغفل. رسالة مليئة بالشتائم، تتهمك بالفشل وعدم الإنتاج والحقد والحسد، ثم تملي عليك ما يرغب برؤيته صاحب خيال مريض بأوصاف سوقية.
أو قد تكتب رأيًا على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، فينهال عليك شخص أو أكثر، هذا ناصح وذاك مشفق، وذيّاك شاتم. لماذا؟ لأن لك رأيًا مختلفًا، أو لأن لك رأيًا، وهذا يكفي ان تكون خارج القطيع.
كل هذا جزء من ثقافة الشتم والعنف التي تميز النهج السائد في الحزب منذ سنوات، والذي وصل إلى درجة من الهبوط بحيث أن الشتائم على مواقع التواصل الاجتماعي قد أصبحت أمرًا عاديًا. أين هذا من إصرار أديبنا الراحل سعيد تقي الدين أنه من الصعب جدًا، حين تستهل كلامك بـ “حضرة الرفيق المحترم” أن تنهية بـ “يلعن أبوك”، مثلاً.
ثقافة الشتم جديرة بالتوقف عندها لأكثر من سبب. الأول أن الشتم هو عنفٌ لفظي قد يكون تمهيدًا لعنف من نوع آخر. الشتم يتوخى تجريدك من صفتك الإنسانية. إنه يصفك بأحقر الألفاظ بحيث تستحق، في نظر المعنِّف، ما سيأتيك لاحقًا. السبب الثاني هو أن هذه الثقافة لا تدرك الفرق بين النقد والشتم. السبب الثالث أن أصحابها مصابون بعَمَهِ البصيرة، فيتجاهلون ما هو بديهي.
يأخذ علينا بعضُ نفرٍ كثرة انتقادنا للوضع السائد والمتسببين به، فيعزون ذلك إلى حقد أو حسد! نحن ننتقد الموقف لا الشخص إلا في الحالات الجرمية مثل الكذب والتزوير وإطلاق الإشاعات. عندها نقول مثلاً، إن فلانًا قد كذب أو أطلق إشاعة أو زوّر مستندًا مصرفيًا ليخفي كذبه، ونعرض البينات الدامغة. أما في الحالات الأخرى، فهذه المجلة، بقلم أكثر من كاتب، انتقدت المجلس الأعلى الأسبق حين عدّل الدستور لمصلحة شخص، وانتقدت موقفًا سياسيًا خطيرًا لرئيسٍ أسبق للحزب مع ثلاثة عمد، كما انتقدت المجلس الأعلى الذي لم يحرك ساكنًا حيال كل هذا. نعم انتقدنا وهذا حقنا بل واجبنا.
كذلك انتقدنا من يطلق البيانات المغفلة، وانتقدنا مجموعة من الأمناء، مع أننا نكنّ لبعضٍ منهم محبة، لأنهم فيما يقدمون أنفسهم كمنقذين، كانوا هم، ولعددٍ طويلٍ من السنوات، من دعائم النهج الذي أوصل الحزب إلى حيث هو الآن.
وناقشنا أيضًا موقف بعض الأمناء الذين كانوا يصرّون على أن المجلس القومي هو الحل، وكان النقاش علنيًا ومهذبًا، وكان عبر مقالاتٍ وندواتٍ واجتماعات. كلها فوق الطاولة ووجهًا لوجه، كما يجب ان يكون النقاش بين الناس المحترمين.
نعم نحن فعلنا كل هذا.
ما لم نفعله، وهذا هو عَمَهُ البصيرة الذي نتكلم عنه، هو أننا، كمجلة في سياستها، وككتّاب لهم رأيهم الحر، لم نقعد يوما عن القيام بواجبنا، سواءً كأعضاء، أو كمسؤولين، أو كناقدين للوضع الحزبي منذ سنوات، أو كناشطين في إيجاد المخارج من مأساة الحزب. لهذا فإننا نضحك حين يطلب منا البعض ان نتخلى عن “التنظير” وأن نقوم “بعمل ما”! يقول المثل، “كل وعاء بما فيه ينضح”، وهذا ينطبق على هذه المجلة ومحرريها، كما ينطبق على من يتّبع سياسة الشتم.
ليست هذه المرّة الأولى التي نتعرض فيها لحملة تشويه سمعة أو تهديد، ولا نعتقد أنها ستكون الأخيرة. فنحن حربٌ على الفساد والكذب والبلطجة. الفرق أننا حين نقاتل، فبوجهٍ مكشوفٍ ورأسٍ شامخ، ولا نختبئ وراء رقم هاتف مجهول الهوية.
كلمة أخيرة، يعيّرنا البعض أننا نعيش في المهجر. هذا صحيح، فهذه المجلة تأسست في المهجر وعدد كبير من كتابها مهاجرون، وقد يقدّّر لنا أن نموت في هذه البلاد. لكننا، إذا حصل ذلك، فإننا نموت طالبين لسوريا السلام مع كل صباح، نموت وعيوننا شاخصة إلى سوريا الأم وقلبنا يخفق بحبها، وليس قبل أن نكون قد بذلنا كل ما بوسعنا لنصرتها.
ولتحي سوريا