1

بين “خاطرنا عندكم” و”مبادرتنا عندكم”

بقلم سامي سماحة

بين “خاطرنا عندكم” و”مبادرتنا عندكم”، يا خوفي ينقال بخاطركم. 

جميل الحوار الراقي بين الأمين جورج رياشي والرفيق أسامة المهتار.

جميل، لأنه امتاز بالصراحة التي فقدناها منذ زمن، والمباشرة التي تدل على الثقة والايمان وصدق المقال.

لكل منهما رأيه وموقفه، وهذا لم يمنع الرفيق أسامة من النقد القاسي والأمين جورج من الرد الهادئ والعنيد.

وبين النقد الهادئ والرد العنيد، انفتحت فسحة للحوار، على أمل أن تتوسع حلقة الحوار لتبلور خطوطًا عريضةً وتفاصيل صغيرةً تشكل مخرجًا لأزمة الحزب السوري القومي الاجتماعي.

نحن نراهن على حضور الغاية الواحدة عند المتحاورين وعند جميع القوميين الاجتماعيين المعترضين على الأحزاب الانشقاقية، لأن وجود الغاية الواحدة يسهّل الوصول الى رسم المخارج العملية.

الطبيعي أن تعيش المجموعات المعترضة أزمة صياغة المخارج، والطبيعي أن تختلف وجهات النظر والرأي لأن الموضوع هو الحزب السوري القومي الاجتماعي، وليس أي حزب عادي أو جمعية عادية، لذلك فالمهمة غير عادية وتتطلب رجالاً غير عاديين.

إذا أردنا تبسيط الأمر الصعب، نقول إننا أمام ثلاث أفكار أساسية، طبعًا هذا تماشيًا مع الأفكار التي يطرحها الرفقاء وهي: وحدة التنظيمات، وحدة القوميين، وانبثاق السلطة.

بداية نطرح السؤال التالي:

ما هي العلاقة بين الأفكار الثلاث؟ وأين تتقاطع؟ وأين تفترق؟

عندما نتحدث عن وحدة القوميين، وقصدنا وحدة القوميين في التنظيمات الانشقاقية والمجموعات المعترضة، فإننا نهمل بشكل قطعي الأسباب التي أوجبت الانشقاق وإنشاء المجموعات المعترضة.

لا علاقة لمسألة العقائد الفكرية بالانشقاقات، فالانشقاقات قامت على التعارض في المشاريع السياسية والخلاف على تأمين المصالح، وانتظم القوميون الاجتماعيون في هذه التنظيمات على قاعدة المشروع السياسي، ولم يختلفوا على اجتهادات فكرية وعقائدية، ولم يلتفتوا الى تأمين المصالح التي تجنيها القيادات من العلاقات السياسية.

من هنا إذا أردنا خوض غمار وحدة القوميين الاجتماعيين وجب علينا أن نملك مسألتين.

الأولى: كيفية التواصل

الثانية: شرح الأسباب الحقيقية للانشقاقات وتحصين النفوس بثقافة قومية عالية تتقن فنّ الهجوم قبل أن تعرف معنى الدفاع.

قد يقول البعض إنه لا يمكن لنا أن نتواصل مع القوميين الاجتماعيين، إلا عبر المؤسسات الانشقاقية، لذلك نريد أن تكون هذه المؤسسات الانشقاقية موحدة في تنظيم واحد كي يسهل علينا مشروع المواجهة.

وقد يقول البعض إن الاحتكام الى عقد مؤتمر جامع لأعضاء المؤتمر الحالي يؤمن طريق تغيير أوضاع الحزب.

نقولها بالمباشر: إن المجلس القومي الحالي نتاج مؤسسة لم يكن لها علاقة في الحزب السوري القومي الاجتماعي، ومعظم الأمناء نتاج ماكينة تفقيس قياسها الولاء لأولياء الأمر في هذا التنظيم، حتى الانتخابات المحلية حصلت على قياس ما تريده السلطة التي أصبحت سلطتين. لذلك هذا المجلس القومي غير مؤهل لينتخب قياده تغييرية. ونقولها بالمباشر: أليس بعض الذين يراهنون على المجلس القومي كانوا في التركيبة المنحرفة ورافقوها لثلاثة عقود متتالية؟

يجب أن نتصارح.

نحن لا نجلد، ولا ننتقم، لكن علينا أن نقول الحقيقة كما هي دون زيادة أو نقصان ودون خجل.

معظمهم شارك في السلطة، ولم يترك السلطة لخلاف على مصلحة الحزب، بل تركوا السلطة أو أُخرجوا من السلطة بسبب المصالح والألقاب.

معضلة تكاد تكون لغزًا.

كيف تكون وحدة القوميين؟

إن هذا الشعار المرفوع حاليًا يشبه ذاك الشعار الذي طُرح عندما اشتد الخلاف الداخلي، بعد اجتياح عام 1982، أقصد شعار العودة الى سعاده، هم عادوا ولكن ليس الى سعاده، بل الى تركيز نفوذهم الذي أنتج الانشقاق.

المسألة لا تتعلق بالكثرة والقلة، المسألة تتعلق بصياغة مشروع إنقاذ الحزب، المسألة متعلقة باسترجاع الحزب من خاطفيه.

وحدة القوميين عبر التنظيمات الانشقاقية عمل مستحيل، فتحالف الفاسدين وأصحاب النزعة الفردية في التنظيمات الحالية أقوى من إرادة القوميين الحقيقيين، ومن يزعم غير ذلك نحيله الى انقسام المجلس القومي بين التنظيمات وبين من وقف على الحياد، وإذا كان الحضور الذي تسجل في انعقاد المجلس القومي في الثالث عشر من أيلول مقياسا، فإن كثر من الذين امتنعوا عن الحضور التحقوا في ركب التنظيمات الانشقاقية.

لم تعد وحدة الحزب مطلبًا، لأنها وحدة تنظيمات انشقاقية ووحدة بين مجموعة من الفاسدين يتقاسمون السلطة، ومن لم يكن مثلهم لا مكان له بينهم.

لم تعد وحدة القوميين عبر التنظيمات ممكنة، لذلك على المعترضين التفتيش عن وحدة القوميين الذين آمنوا بغاية الحزب ومبادئه عبر عمليات إنشاء جديدة، إنشاء مؤسسات جديدة، لا تكون تعبيرًا انشقاقيًا، ولا على خلفية الصراع الذي أنشأته هذه التنظيمات بل على قاعدة الصراع التي تُمليه مصلحة النهضة والأمة. الصراع الذي لا يقوم على قاعدة انبثاق السلطة بل على قاعدة بعث النهضة السورية القومية الاجتماعية، فمشكلة انبثاق السلطة من مظاهر الأزمة وليست في أساس الأزمة.

يكمن أساس الأزمة في العقلية التي بنت في الوحدات الحزبية اتجاهات تقوم على التبعية وليس على المصلحة الحزبية، لذلك كان من السهل جدا انشقاق الوحدات الحزبية، ونادرًا ما حافظت وحدة حزبية على استقلاليتها وعبّرت عن موقف رافض للانشقاق.

نعود مرة جديدة لنقول: إننا نحتاج الى بناء الوحدة الحزبية في المتحد، وتحصينها كي تصبح على مستوى خوض العملية الانتخابية.

إن الحياة الحزبية الحاضرة لا تؤهل الوحدات الحزبية للعمليات الانتخابية، ونحن نعتقد أن الوقت شرط أساسي للبناء واستكمال التأسيس.

لا نستطيع دعوة القوميين الى انتخابات قبل أن ندعوهم الى انشاء الوحدة الحزبية الفاعلة في المتحد فكرًا وثقافةً ومصالح اقتصادية وتربوية وأمنية لأبناء المتحد. ونساعدهم بالمطلوب مهما كان هذا المطلوب، وهذا يحتاج الى فرصة زمنية وبرنامج ثقافي تربوي. باختصار نحتاج إلى بناء الوحدة الحزبية النموذجية.

المهم أن نختار نقطة البداية، التي تكون النموذج والقدوة.

أخاف أن تتوقف عجلة حزبنا بين التنظيمات الانشقاقية، وخاطرنا عندكم، ومبادرتنا عندكم فنسمع من يقول بخاطركم.

الى الذين يتوهمون ويخافون من خوض التجربة، نقول لهم: لندرس جيدًا فترة ما بعد الانقلاب، ودخول القيادات الحزبية الى السجن وغياب المؤسسات العليا وتبعثر مؤسسات المتحدات، لندرسها ولنعرف كيف استطاع القوميون الاجتماعيون الحفاظ على مؤسساتهم المحلية، وكان كرباج السلطة فوق رؤوسهم، وبدون وجود مجلس عمد ومجلس أعلى ورئاسة حزب. دافعهم للحفاظ على المؤسسات كان إيمانهم بالعقيدة السورية القومية الاجتماعية. واليوم نقول إن إيمان القوميين بعقيدتهم يدفعهم الى إنشاء المؤسسات خارج التنظيمات الانشقاقية ولو كان عددهم قليلاً، ولكن على هذا العدد القليل تقوم عمارة الحزب السوري القومي الاجتماعي بركائز المبادئ وغاية الحزب.

نحن ندعو القوميين الاجتماعيين للتشمير عن زنودهم، وألاّ يخافوا من الخيار الصعب، ففي الخيار الصعب تكبر مشاعر الفرح ومشاعر النصر، ويكون معهم ما قاله سعاده فيهم ويتأكد أنهم القضاء والقدر.

يقول سعاده: “إن الظروف المحيطة الآن بأمتكم هي ظروف فاصلة. إنها ظروف صراع بين الحياة والموت بالمعنى الحرفي. وفي ظروف هذا الصراع تلوح فرص لا يمكن أن تقدر قيمة اغتنامها بالمقادير العادية ولا أن تقاس نتائجها بالمقاييس الخصوصية.”

الأعمال الكاملة ج3 ص 367