1

انعكاسات الأزمة الأوكرانية في سوريا

علي قطريب

تتلاحق التطورات على صعيد ميزان القوى العالمية، فرغم أن روسيا سحبت قواتها من الحدود الأوكرانية بعد أن كانت في وضع متأهب للقتال، إلا أن فتيل المواجهات لم ينزع تمامًا، خاصة في ظل عدم قبول واشنطن بالشروط الروسية حول وضع قانون يمنع انضمام أوكرانيا إلى حلف الأطلسي، وعدم نشر قوات وصواريخ تهدد الأمن الروسي في دول أوروبا الشرقية عمومًا. حيث بقي الأمور بين أخذ وردّ في وضعٍ ذكّر المتابعين بأيام الحرب الباردة وحرص كل طرف على استحواذ مراكز استراتيجية يلوّح بها للآخر ويستعرض عبرها قوته ونفوذه الذي يخوله الانتقام إذا ما حصلت المواجهات الفعلية. اللافت في هذه الأزمة، أنه وخلال ذروة التوتر بين روسيا وأوكرانيا والغرب، قام وزير الدفاع الروسي بزيارة إلى دمشق والتقى خلالها الرئيس بشار الأسد، وتبعًا للتصريحات فإن هدف الزيارة هو الإشراف على المناورات العسكرية التي تجريها القوات الروسية في البحر المتوسط. لكن هذه الأسباب لم تكن كافية بالنسبة للمراقبين الذين رأوا أن لهذه الزيارة أبعادها الأخرى في ظل تفاقم التوتر بين واشنطن وموسكو حيث يمكن لموقع سورية أن يشكل ثقلاً لا يستهان به في الضغط على واشنطن التي تملك قاعدة في التنف السورية وبعض المواقع غير المدعمة جيدًا والتي يمكن أن تكون هدفًا سهلاً إذا ما حصل الصدام فعلاً.

الأسئلة التي يمكن أن تثار هنا كثيرة، بعضها يتعلق بإمكانية الإعلان عن عمليات للمقاومة السورية تدعمها موسكو في الخفاء ضد الاحتلال الأميركي لمنطقة شرق الفرات بحيث ترفع مستوى الضغط على واشنطن؟ لقد نقلت موسكو قاذفات استراتيجية إلى مطار حميميم في اللاذقية بإمكانها إطلاق صواريخ “خنجر” التي يصل مداها إلى أكثر من ألفي كيلومتر وهي صواريخ فرط صوتية، قادرة على الوصول إلى الجانب الآخر من المتوسط حيث القارة الأوروبية تصبح هدفًا سهلاً للقوات الروسية التي تقول إنها لم تسكت إزاء محاصرتها بالصواريخ في أوكرانيا وشرق أوروبا إضافة إلى دفع الدول للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.

ماذا يمكن لروسيا أن تفعل عبر سوريا إذا ما حدثت المواجهة مع واشنطن؟ بالنسة لسوريا فإن المواجهة حاصلة مع الأميركيين لكنها مجمدة نظرًا لاعتبارات لوجستية ودولية يمكن تجاوزها في ظل الدعم الروسي لتحريك هذا الملف. وما يعزز هذه الاحتمالات ما فعلته واشنطن مؤخرًا في سجن غويران بالحسكة عندما سهلت عملية هروب داعش الذي يبدو أن عناصره يتم إعدادهم لمرحلة قادمة، بالإضافة إلى استيلاء قسد على أبنية ومساحات إضافية في الحسكة توحي بأن الأميركيين يخططون لشيء ما في المنطقة.

المرشح للقيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط مايكل إيريك كوريلا قال في جلسة الاستماع أمام مجلس الشيوخ: “إن التحرك الروسي قد يمتد إلى سوريا مما يؤدي إلى قيام فوضى كاملة في الشرق الأوسط. خاصة أن روسيا تمتلك قاعدة وقوات في سوريا ويمكن أن تعمل كمخرب هناك.”

حلف الناتو لم يتوقف عن إرسال تعزيزات عسكرية للمناطق الحدودية مع روسيا. ومن ناحية أخرى تمّ تسيير دورية جوية مشتركة بين طائرات روسية وسورية وسبق ذلك تدريب مشترك للقوات الشتوية الروسية مع القوات السورية وعدة تحركات أبرزها كان حين قامت روسيا بتنظيم أكبر تدريب بحري لأسطولها في تاريخها والذي كان في البحر المتوسط قريبًا من الحدود السورية، وهو أمر أثار حفيظة “إسرائيل”.

كانت الأمور على ما يرام بين الروس والكيان الإسرائيلي، ومع دخول القوات الروسية إلى سوريا تم الاتفاق  بين الطرفين على التنسيق المشترك لتجنب إطلاق النار العرضي. ولكن  روسيا تشجب الاعتداءات الإسرائيلية اليوم على مناطق العمل المشترك بين روسيا وسوريا حيث قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية “ماريا زاخاروفا” في تصريح رسمي:  إن روسيا قلقة للغاية من “استمرار الضربات الإسرائيلية ضد أهداف داخل سوريا” ووصفتها بأنها “انتهاك فظ لسيادة سوريا”، ونقلت وكالة الأنباء الروسية تاس عن زاخاروفا قولها “إن الضربات قد تؤدي إلى تصعيد حاد للتوترات وأنها تعرض رحلات الركاب الدولية للخطر”.

الكيان الإسرائيلي سيكون في حالة لا يحسد عليها إذا ما تفاقمت الأمور بين روسيا وأميركا وإذا ما اتخذت الأخيرة سلسلة عقوبات اقتصادية ضد روسيا، فهي لن تستطيع المشاركة بالعقوبات كي لا يؤثر ذلك على عملياتها في سورية، وحول هذا قال جيورا إيلاند اللواء المتقاعد والرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي: “إذا طلبت واشنطن من إسرائيل المشاركة في عقوبات ضد روسيا فإن القدس ستكون في وضع مستحيل للغاية.” الجدير بالذكر أن إسرائيل مستفيدة اقتصاديًا من السوق الروسية حيث تشير التقارير إلى أنها قد صدرت في عام 2019 ما يقارب 800 مليون دولار إلى روسيا. إضافةً لذلك فإن إسرائيل مضطرة للتشبث بالوجود الروسي في سوريا وذلك لتضمن استمرار عملياتها العسكرية ضد الجيش السوري وخوفًا من إيران التي يمكن أن تستعمل أي ثغرة  لتوجيه ضربة لإسرائيل خصوصًا بعد أزمة الملف النووي الإيراني.

بسبب موقف إسرائيل الحرج نراها ترفض طلب دول البلطيق إرسال أسلحة دعم إلى أوكرانيا، ونرى بوتين يحذر إسرائيل من دعم أوكرانيا بأي طريقة فيقول: “إنه خيار القيادة الإسرائيلية، من حقهم أن يفعلوا ما يعتقدون أنه مناسب،  لكن هذا لن يؤدي إلا إلى جولة أخرى من الصراعات وزيادة في عدد الضحايا.”

الأزمة الأوكرانية فاقمت التوترات في مختلف مناطق نفوذ الدول الكبرى، ورغم الأنباء القائلة بانسحاب القوات الروسية إلى أماكن تمركزها على الجبهة الأوكرانية، إلا أن صور الأقمار الصناعية التي نشرتها أميركا تشير إلى وجود جسور في المنطقة وهذا يعني امكانية العودة في أي وقت. الأسئلة التي تنبع من كل تلك التطورات تتمحور حول ما يمكن أن تجنيه سوريا من هذه الأزمة خاصة فيما يخص الدعم الروسي العسكري والسياسي الذي يؤهلها لطرح موضوع تحرير شرق الفرات من القوات الأميركية ولو كان بشكل غير مباشر عبر مقاومة شعبية مدعومة رسميًا. التطورات لم تنته بعد وجميع الاحتمالات واردة.