1

الواقع الاقتصادي الشامي.. أزمات بلا استراتيجيات حكومية

الفينيق

تطغى الأزمة الاقتصادية الشامية على غيرها من العناوين بالنسبة المواطنين الذين بلغوا مستويات غير مسبوقة من الفقر، وذلك في ظل عجز حكومي عن معالجة المعضلات الأساسية مثل توفير الطاقة والغذاء والطبابة بشكل يناسب دخل المواطن الذي بات يعتبر الأضعف عالميًا. البعض ينادي بمؤتمر وطني لإيجاد حل سياسي يتيح التخلص من أزمات الاقتصاد، والبعض الآخر يرى أن الحكومة انفعالية بالأحداث وليس فعالة، فهي تنتظر الأزمات حتى تفكر بالحلول ولا تستبقها. في حين يرى آخرون أن الأزمة تعتبر فرصة نادرة لفرض الحلول وتطبيقها لأن المبررات موجودة. على رأس القضايا التي تنتظر حلولاً جذرية هي الفساد الذي يفتك بالمؤسسات ويجعل جزءًا كبيرًا من الدخل القومي يذهب إلى جيوب الفاسدين، واستنادًا إلى ذلك يطالب الكثيرون بإطلاق الحريات الصحفية التي من شأنها كشف بؤر الفساد والتمهيد لمحاكمتها. هكذا تبدو القضايا كثيرة وشائكة ومتنوعة بين الاجتماعي والسياسي والقانوني والاقتصادي.

يقول الإعلامي المتخصص بالشأن الاقتصادي زياد غصن:

” لابد من إخضاع المؤسسات الحكومية على اختلاف مستوياتها ومهامها، للمساءلة والشفافية، والعمل على تشجيع الاستثمارات المحلية من خلال توفير الضمانات الكاملة للمستثمرين المحليين وحماية استثماراتهم ومشروعاتها، من أجل اعتماد سياسة تنموية تقوم على زيادة الإنتاج والاستهلاك معًا، وتوفر متطلبات تنفيذها وفق برامج زمنية تخضع للمراقبة والتقييم، والأهم مشاركة أصحاب الكفاءات والخبرات، داخليًا وخارجيًا، في صناعة القرار الاقتصادي، وإبعاد معدومي الخبرة عن مواقع المسؤولية.”

على صعيد موضوع الدعم الحكومي للمواد الأساسية، فإن عدم وجود استراتيجية ثابتة وواضحة المعالم جعل الخطط الحكومية تتخبط دون وجهة واضحة حول آليات التصرف تجاه هذه القضية. فهل يمكن للكتلة المالية الضخمة المخصصة للدعم أن تسدد النواقص وترفع الرواتب بالشكل المعقول الذي يوازي الارتفاع الكبير بالأسعار؟ أم إن رفع الدعم لن يغير شيئًا في قدرة المواطن الشرائية؟ كل هذه الأسئلة تبدو غير محسومة ومدروسة بشكل دقيق. يقول غصن:

“على الحكومة أن تشجع المنافسة وتوقف الاحتكارات المباشرة وغير المباشرة في جميع المجالات والقطاعات وأن يكون هناك تصور واضح لدعم حوامل الطاقة بالنسبة للقطاعين الصناعي والزراعي، لأنه من غير الممكن أن يكون هناك إحياء للصناعة والزراعة في ظل ارتفاع أسعار حوامل الطاقة أو حتى تحريرها.هذا الوضع الاقتصادي الصعب، تبلور مع نهاية عام 2019، وتعمق أكثر خلال العامين التاليين 2020 و2021، ومن أبزر ملامحه موجات التضخم المتلاحقة، التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، إضافة إلى تراجع سعر صرف الليرة الذي ترافق مع ارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات المقدمة للمواطنين وزيادة نسب الرسوم والضرائب وتراجع الإنتاج ما أدى إلى ارتفاع معدل الفقر بشكل واسع، والتقديرات الأممية تتحدث عن دخول أكثر من 90 بالمئة من السوريين في دائرة الفقر.  معظم القرارات الحكومية الاقتصادية كانت أقرب إلى «ردات» الفعل منها إلى استشراف الأزمات والمشاكل والحيلولة دون وقوعها أو التخفيف من تأثيرها. لا بل إن الكثير من السياسات الاقتصادية الحكومية كانت تسهم في زيادة الضغوط الاقتصادية والدليل ما نشهده حالياً”.

حجم الأزمة الاقتصادية في الشام تشير إليها أرقام المسح الذي أجرته الحكومة بالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي وتم تحديثه في الأعوام 2017، 2019، و2020، وحسب نتائج مسح عام 2015 فقد بلغت نسبة الأسر السورية الفاقدة للأمن الغذائي نحو 33.4 بالمئة انخفضت في المسح التالي الذي جرى في عام 2017 لتصبح عند 31 بالمئة ، ثم عاودت الارتفاع مع مسح نهاية عام 2020 لتصل إلى أكثر من 55 بالمئة.

أما نسبة الأسر المهددة بفقدان أمنها الغذائي فقد قدرت في مسح عام 2015 بحوالي 51.6 بالمئة وفي مسح عام 2017 تراجعت إلى 45.8 بالمئة نتيجة تحسن الأوضاع الأمنية، التي أسهمت في وصول المواطنين إلى الغذاء وانسياب السلع بين المحافظات، وتراجعت كذلك في عام 2020 إلى نحو 39.4 بالمئة وهو تراجع كان بسبب انزلاق الكثيرين إلى خانة انعدام الأمن الغذائي بفعل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.

يقول زياد غصن: “في عام 2021 تعمقت حالة انعدام الأمن الغذائي لدى الأسر الفاقدة لأمنها الغذائي أو زيادة نسبة الأسر التي تعاني من انعدام شديد في أمنها الغذائي، وهذه قدرت في مسح عام 2020 بحوالي 8.3 بالمئة. وفقدان أسر كثيرة، ممن كانت تصنف على أنها ضمن الطبقة الهشة، لأمنها الغذائي. وهذا يعني أن نسبة الأسر الفاقدة لأمنها الغذائي سوف تزيد على 55 بالمئة (سواء كان انعداماً شديداً أو متوسطًا) ودخول بعض الأسر التي كانت تتمتع بأمن غذائي في دائرة التهديد بفقدان أمنها الغذائي. ووفق نتائج مسح نهاية عام 2020 فإن 26 بالمئة من الاستهلاك الغذائي للأسر، اتسم بأنه عالي التنوع، في حين أن هذه النسبة كانت تبلغ في عام 2015 نحو 66 بالمئة. والأسر التي اتسم استهلاكها الغذائي بأنه متوسط التنوع فقد بلغت نسبتها 27.4 بالمئة بعد أن كانت 22.4 بالمئة في عام 2015. الأخطر كانت في نسبة الأسر، التي يتصف استهلاكها بأنه منخفض التنوع، والتي وصلت إلى نحو 46.7 بالمئة مقارنة مع 9.6 بالمئة فقط في عام 2015.”

يضيف غصن: “للخروج من ذلك لجأت 28.1 بالمئة من الأسر في سورية إلى بيع الأصول الأسرية (السلع المعمرة) بغية شراء الطعام، وتخفيض إنفاقها على المواد والخدمات غير الغذائية كالصحة والتعليم. و23.2 بالمئة من الأسر اضطرت إلى بيع أصول الإنتاج أو المستخدمة في الإنتاج وإخراج الأطفال من المدارس والبحث عن بدائل للعمل. و8.1 بالمئة باعت منزلاً أو أرضاً.. إلخ. والأرقام تؤكد أن هناك 14.1 بالمئة من الأسر التي تعاني من انعدام شديد في أمنها الغذائي، تكررت واقعة عدم وجود غذاء لديها مرة واحدة أو مرتين بالشهر 26 بالمئة من الأسر، والتي تعاني من انعدام شديد في أمنها الغذائي، تكرر بقاء أحد أفرادها من دون طعام يوماً كاملاً (لمدة 10 مرات أو أكثر شهرياً) و17 بالمئة من هذه الأسر أيضاً بات أحد أفرادها جائعاً ليوم واحد أو أكثر في الشهر”.

يقول المحامي محمود مرعي المهتم بالشأن الاقتصادي: “إن تحرير التجارة الخارجية والسماح للبضائع الأجنبية بالدخول إلى الأسواق الشامية، فاقم من مشكلة الفقر والبطالة وأوجد جزءًا مهمشًا من المجتمع بسبب هذه السياسات الخاطئة، وزاد الطين بلة تعرض سورية للحرب وسرقة المعامل والنفط والغاز من قبل الأميركيين والأتراك.”

يرى مرعي أنه لابد من العمل على سياسة تخدم المواطن وزيادة الإنتاج لحل مشكلة البطالة والعمل على دعم الإنتاج الزراعي والصناعي والتجاري وعودة الموارد أي الاعتماد على التنمية المستدامة.

المشكلة الاقتصادية الشامية تبدو الشغل الشاغل لجميع الناس في هذه المرحلة، خاصة في ظل ندرة المحروقات ودخول البلاد في شتاء قاسٍ لا يكاد المواطن يؤمن فيه قوته اليومي فكيف بالدفء والطبابة والمواصلات وهي قطاعات تشهد ارتفاعات كبيرة في الأسعار.