1

النهج – رئيس التحرير

يكثر الحديث مؤخرا عن “النهج”، فنرى صورة لرئيس سابق للحزب السوري القومي الاجتماعي مذيّلة بعبارة “الوفاء للنهج”. مع هذه الصورة، تنتشر التعليقات بحيث يندرج ما حدث في انتخابات 13 أيلول الماضي تحت باب الوفاء للنهج أو خيانته، ويصنّف الأشخاص، تبعا لذلك، بين وفيّ وخائن.

نحن نرى ضرورة تشريح هذا النهج لكي نعرف ما هو، وما له وما عليه. هل هو فعلا نهجٌ، أم شخص؟ هل هو شخص يُجسّدُ نهجًا أم نهج قائم يتناوب على الاستفادة منه أشخاص؟ نحن نعتقد أن بحثا من هذا النوع مهم لكي نتمكن من تقييم الوضع واتخاذ الموقف السليم بناء عليه.

يقول المروجون للنهج والوفاء له إنه نهج المقاومة والتحرير؛ نهج محور الممانعة والوقوف مع الشام في حربها الكونية ضد أعدائها. لا خلاف على هذا الموضوع بين الأطراف المتنازعة، بل هناك تسابق محموم لتقديم أوراق اعتماد للجهات المعنية بهذا المحور. يبدأ الخلاف عند البحث فيمن يجسد هذا النهج. وهنا الجواب يصبح واضحا، هناك شخص واحد أحد، وأية محاولة لتغييره أو المس بمركزه تصبح خطرا على النهج نفسه، فيُحارب “الخائن” ويشيطن “غير الوفي” ويتهم بالعمالة للعدو.

ولكن هل هذا هو فعلا النهج؟ كلا. هذا هو الستار الذي يختبئ خلفه النهج الحقيقي. والنهج الحقيقي يمكن اختصاره هكذا: تلزيم الحزب، من قِبَلِ قياداته، لمن يدفع أكثر من الحلفاء. فيحكِّم الحليفُ القيادات بمفاصل الحزب بما يخدم أهدافه (أهداف الحليف) أولا. أما القيادات، فتحارب، في سبيل استمرارها، أية مقاومة لهذا النهج وسلاحها الإقصاء، وتشهير، والاغتيال. هذا النهج ظهر في الحزب إبان الواقع اللبناني، واستمر نهجا يمينيا في الخمسينات ويساريا في الستينات والسبعينات، و”حزب مناقصة” (راجع “أحزاب المناقصة”، لنديم محسن) لمن يتحكم بمسار الأمور في لبنان والشام منذ السبعينات وحتى اليوم. هذا هو النهج الحقيقي الذي يتصارع في سبيل ركوبه أشخاص يشقّون الحزب إذ يختلفون على المغانم، ويوحدونه عند اتفاقهم. هذا هو النهج الحقيقي الذي يدفع الناس إلى هذا الجنون في تشاتمها وتزاحمها وعراضاتها ودعاواها وفجورها. وهو نفسه الذي سوف يدفعها غدا إلى تبادل قبلات التكاذب، على وقع وهم أن “العقيدة تجمعنا”.

ومع كل حقبة من هذا النهج كانت الأعذار قائمة. مع نعمة ثابت، “مرونة سياسية لبنانية” في مواجهة “تحجر عقائدي”. في الخمسينات، مع أمريكا ضد الاتحاد السوفياتي، في الستينات والسبعينات مع منظمة التحرير ضد الأردن والرجعية العربية، في الحرب الأهلية اللبنانية مع الحركة الوطنية ضد الانعزال اليميني، ومنذ التسعينات…؟ سلمنا أوراقنا إلى الأخ الأكبر، يستظل بعضنا هذا الجناح منه فيما يجنح أخر إلى ذاك.

نعم، هناك رؤساء حاولوا الخروج على النهج فأخرجوا. وهناك رفقاء حاولوا مصارعته فصُرعوا. هذه حقائق. واليوم، نسمع من يقول لنا إن ثمة من يحاول، ولكن…هناك ضغط سياسي ومالي والتزامات تُجبر القيادات على اتخاذ مواقف قد تبدو للبعض مهينة للكرامة هنا أو مُضَيّعة للوقت هناك. نفهم كل هذا. ما نطلبه من هذه القيادات أن تأخذ خطوة إلى الوراء وتسأل نفسها بعض الأسئلة: هل أنا في قلب هذا النهج؟ إذا كان الجواب بالنفي، فما هو النهج الذي أسير عليه؟ وهل تصرفاتي، وتحالفاتي نابعة من عقيدة الحزب السوري القومي الاجتماعي وغايته أم هي نابعة من مصالح خاصة تتقنّع بنهج عام؟ هل سياساتي وخططي هي لتحقيق غاية الحزب الذي أقسمت اليمين عليها أم لغايات أخرى؟ ما هي النتائج التي أتوخاها من المسار الذي أنا فيه؟ هل هي نتائج تفيد قضية الحزب أم تضرها؟

إنها أسئلة برسم المخلصين. أما الآخرون فمشغولون بالوفاء “للشخص”، سواء الذي في الصورة أم أشخاصهم هم.