1

الموتى.. عملاء الامبريالية!

زيد قطريب

احتجّ الموتى ضد قرار حكومة بحر الباسفيك، القاضي بمنع الدعم عن المدافن والجبّانات، بحجة أن عظام الميتين صارت مكاحل، ولا داعي لأن ينافسوا أحداً على كيلو الرز والسكر ورغيف الخبز!

الهياكل العظمية ملأت الشوارع، وكان المتوفون يلوّحونَ بالأكفان والعظام المتختخة، مطالبينَ بالعدالة في توزيع الثروة أسوةً بالراحلين في أنحاء العالم، الذين ظلوا يأخذون حصتهم من الاقتصاد الوطني ولا يعانون من الفساد أو ارتفاع تكاليف الموت أو عصّات القبور.

الحكومة اتهمت الموتى بأنهم عملاء للخارج، ونشرت مكالماتهم على الواتس أب مع الجهات المشبوهة التي تهدف إلى قضّ مضجع الجثث في مقابر الوطن. بل ذهبت أبعد من ذلك عندما قالت إن الموتى متواطئون مع الأعداء، والدليل هو “اندفاسهم” الأبدي، قبل تحقيق أهداف الأمة في التحرير والنصر وبناء المجتمع الاشتراكي الموحد!

كبرت القصة وتفاقمت الخلافات، ورفع الموتى السقف، فطالبوا بحرية التعبير عن الموت، وإحياء الشعائر في الجنازات، ثم أصدروا بياناً يحثون فيه جميع المقابر المجاورة للنهوض والمطالبة بالحقوق المشروعة حتى تلتزم الحكومة بمسؤولياتها تجاه الميتين الذين لن يسكتوا على هضم حقوقهم بعد اليوم!

الشهداء طالبوا الحكومة بمعرفة مصير القضايا التي ماتوا لأجلها. ضحايا جرائم القتل والانتحار وحوادث السير والتعذيب والأخطاء الطبية والجوع،  صمموا على إعادة التحقيق وفتح الملفات من أجل كشف ملابسات موتهم من جديد.

جُنّ جنون الحكومة، وطلبت من الجميع أن يعودوا إلى قبورهم لأن يوم القيامة لم يحن بعد. أحد الوزراء حاول التعامل معهم بالحسنى، فأخبرهم بأنهم ميتون ولا يجوز أن يخرجوا على وسائل الإعلام ومحطات التلفزة لأن ذلك مخالف للمنطق وسيشكل فضيحة أمام العالم المتحضر الذي سيهرع من أجل دراسة هذه الظاهرة. الحكومة استقدمت رجال الدين كي يخبروا المتوفين أن الموت حق وأن خروجهم بهذا النحو يعتبر من الكبائر لأن الساعة لم تحن بعد! لكن الموتى تمسكوا بموقفهم المطالب بالحقوق التي نص عليها الدستور والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومبادىء الموت الكريم وضمان حرمة الميت.

فشلت كل الأساليب في صرف الميتين من الشوارع وإعادتهم إلى القبور، فقررت الحكومة استخدام القبضة الحديدية لفرض الرقاد في مدافن البلاد التي ظهرت وكأن إسرافيل قد نفخ فيها بالصور.

ألقت الحكومة القبض على الكثيرين وأودعتهم السجن، لكن الميتين كانوا سعداء بعيشة الزنازين التي تعتبر خمس نجوم أمام ظلمة القبور. وعندما حكموا على بعض الميتين بالإعدام، راح المتوفون يهللون من شدة الفرح، فقد جرّبوا الموت سابقًا ووجدوه حنونًا مريحًا على عكس السمعة الشائعة عنه.

احتارت الحكومة ماذا تفعل! كلفت مندوبين يتحدثون إلى الميتين عبر محطات التلفزة ووسائل الإعلام، عن الخطط الامبريالية والرجعية، فقلب الميتون على ظهورهم من شدة الضحك! وكلما كانوا يطلبون منهم العودة إلى المقابر لأن مبادىء الدين تقول إن إكرام الميت دفنه، كان الميتون يتدفقون إلى الشوارع بشكل أكبر.

الميتون قدموا حلاً للخروج من المأزق: تذهب الحكومة إلى المقبرة كي تجرب الموت ولو ليوم واحد، بينما يتفرغ الأموات لإنقاذ الاقتصاد ولقمة العيش. اسألوا من جرّب الموت عن أسباب الحياة! هكذا قال الميتون. عرفتوا كيف؟