1

الكابوس-رئيس التحرير

ليس مهما من أين تبدأ، فشريط الأحداث الأخيرة مثل كابوس على شريطِ إعادةٍ دائم الدوران ولا يتوقف. استشهاد ثلاثة رفقاء غدرا في كفتون، عطش في الحسكة، تهديد تركي، نزف العراق، مأساة فلسطين، إفلاس لبنان، تفجير بيروت، كورونا، فساد، سرقات، جرائم اللا – شرف، هياكل عظمية في مرفأ بيروت، مدمرات وبوارج متعددة الجنسيات، مرسيل غانم و إم.تي.في، حكم المحكمة الدولية، اشتباك بين حزب الله وأمل. إنه فيلم رعب بدأ منذ قرن وما يزيد، ولا يريد أن ينتهي.

ما يحرك هذا الكابوس ويجعله حقيقة أمران: الإرادات الأجنبية والتفسخ المجتمعي الذي يفسح المجال للإرادات الأجنبية فتنفذ منه إلى قلب حياتنا. وإلا كيف نفسر أن السعودية مثلا، تضع فيتو على رئيس حكومة في لبنان، فينصاع اللبنانيون. وأن الأمريكان لم يعطوا كلمة سر بعد عمن يرغبون به كرئيس، فينتظر اللبنانيون. وأن الرئيس ماكرون يبهدل رؤساء التنظيمات السياسية والمذهبية اللبنانية فيطأطؤون رؤوسهم صاغرين.

والتفسخ الاجتماعي مردّه غياب النظرة الواحدة إلى الهوية والحقوق والمصالح والاتجاه العام في الحياة. وبالمختصر الشديد، هذا الغياب، الذي يولد هذا الكابوس، هو ما حاول أنطون سعاده وقفه ومن ثم عكس مساره عبر تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي. والحزب السوري القومي الاجتماعي هو عقيدة تؤسس للهوية والحقوق والمصالح والاتجاه العام، ومبادئ إصلاحية تؤسس لحياة أفضل عبر إزالة عوامل الانقسام المجتمعي والهيمنة الاقتصادية والضعف العام، وهو حركة تهدف إلى إقامة نظام جديد للحياة وترقيتها.

كل ما استطاعه سعاده في حياته القصيرة كان خلق النموذج البِدْئي Prototype لمجتمع جديد ودولة جديدة. وقد نجح في ذلك خلافا لتوقعات أصدقائه وخصومه على السواء. لكنّه لم يتمكن من تحويل هذا النموذج إلى حركة عامة للشعب من بيروت إلى بغداد ومن طوروس إلى سيناء، كما كان يريد. كذلك فشلت القيادات المتتالية لهذا الحزب في هذه المهمة الأولية، فاتسعت الشروخ الاجتماعية لتدخل من بوابتها العريضة قوى الاستعمار المتجدد محتلة هنا ومستبيحة هناك ودافعة للفتنة في كل مكان.

نكرر ما سبق لنا ذكره في أكثر من مناسبة، إن مصير سورية متوقف على مصير الحزب السوري القومي الاجتماعي، ومصير هذا متوقف على ما يقرره القوميون أنفسهم.

اليوم، فيما انهيار البلاد يزداد تسارعا، يجد القوميون أنفسهم مشتتين من جهة، وبدون قيادة على مستوى التحديات يستطيعون الركون اليها من جهة ثانية. في مثل هذه الظروف، يزداد الخطر عليهم. ففيما تحسب القوى المذهبية ألف حساب لقوة خصومها المذهبيين الآخرين قبل فتح معركة معهم، فإن جميع القوى المذهبية لها مصلحة في ضرب القوميين – النموذج النقيض لهم. ونخشى أن يكون ما حدث في كفتون بالأمس مقدمة لما هو أسوأ.

لا يجوز للقوميين أن يبقوا في حالة التشرذم القائمة. بغضّ النظر عما تفعله القيادات، على القوميين، حفاظا على أمنهم بالدرجة الأولى، وإعادة لاعتبارهم وكرامتهم، أن يعيدوا تنظيم أنفسهم في متحداتهم سواء كمتحدات مستقلة ولكن مترابطة مع المتحدات القريبة، أو في أي شكل آخر يرونه مناسبا. عليهم إعادة بناء قواهم الذاتية، فلا أكتاف يستندوا عليها سوى أكتافهم.

لقد كان لافتا الغياب الإعلامي عن تغطية الخبر وكأن استشهاد ثلاثة أشخاص من الحزب السوري القومي الاجتماعي خبر لا يستحق التغطية. ولكن في هذا الغياب انسجام مع علاقة حلفاء هذا الحزب مع قياداته حيث رأيناها، في أكثر من منعطف، علاقة في اتجاه واحد، نأخذ منكم ولا نعطيكم.

التحديات كبيرة والضعيف يذهب فريسة الأقوياء.