1

الصناعة السورية المهاجرة. خسارة للبلد وازدهار للخارج

صناعيون سوريون: لا تتوفر أدنى مقومات العمل ولا حتى الحياة

أهل الخبرة: نحتاج خطة وطنية شرط توفر الادارة والكفاءة

خاص الفينيق – بادية الونوس

نشهد موجة جديدة من هجرة الصناعيين وصفها البعض بالكارثة على الصناعة السورية، وبالطبع فإن من سيدفع ثمنها هو المواطن أولاً قبل المنتج. ليس على المعنيين سوى زيارة أي منطقة صناعية في حلب ليروا بأمّ العين كم لوحة مكتوب عليها (معمل برسم البيع). حسب صناعيي حلب، هناك الآلاف قد هاجروا والنزيف مستمر بدليل استقرار خمسة آلاف صناعي في مصر لوحدها منذ بداية الحرب الشرسة على سورية، إذ تعمل الدول في الخارج على استقطابهم وتقديم كل الدعم لهم، بينما تعمل الحكومة وفق منطق الجباية حسب وجهة نظر البعض. بالمقابل يؤكد أهل الخبرة أنه لابد من توفر مقومات العمل وتوفير البيئة التشريعية المناسبة من خلال وضع خطة وطنية تتبناها الدولة شريطة توفر الادارة الجيدة والكفاءات والنزاهة فهذا وحده ينهض بقطاع الصناعة.

16 ألف منشأة حالياً

الدكتورة لمياء عاصي

 

الوجع هو القاسم المشترك بين من تحدث إليهم موقع (الفينيق) من الصناعيين الذين أجمعوا على عدم توفر أدنى مقومات العمل والحياة، فكيف يعمل الصناعي وينافس أو حتى يعيش في ظل هذه الظروف؟

يؤكد الصناعي تيسير دركلت (حلب) أن عدد المنشآت الصناعية قبل الحرب في حلب كان نحو 33 ألف منشأة، ليتناقص العدد إلى ثلاثة آلاف منشأة في عام 2014، ليعود إلى 16 ألف منشأة في الوقت الحالي. فهذه المنشآت إما دُمرت بسبب بفعل المجموعات الإرهابية، أو جراء من استُشهد أو فُقد من مالكيها، أو من قرر الهجرة إلى الخارج.

5آلاف في مصر

وأضاف دركلت: لم يكن أمام الصناعي إلا خيارين، إما البقاء والعمل تحت سيطرة العصابات الإرهابية مع دفع الأتاوات التي تفرض عليه، وإما أن يترك و(يمشي) للخارج. مشيراً إلى أن عدد الصناعيين الذين استقر بهم المقام في مصر لوحدها يبلغ خمسة آلاف صناعي أغلبهم تقع منشآتهم داخل المدينة وخارجها أي في المناطق المتضررة أو التي سيطر عليها الإرهابيين.

أين تطبيق قانون المناطق المتضررة؟

الدكتور سامر الدبس

 

يرى الصناعي دركلت أن الحرب الاقتصادية بدأت منذ ثلاث سنوات ونحن الآن في الذروة، داعياً الجهات المعنية للعمل وتقديم كل الدعم للمحافظة على ما تبقى. ويقول إن ما يجري على أرض الواقع لا يبعث على التفاؤل، مبررا ذلك بقوله: “منذ عام 2015 طالبنا الحكومات المتعاقبة بتطبيق قانون المناطق المتضررة التي أصبحت (أثراً بعد عين)، مثل منطقة الليرمون التي تعد منطقة الاستثمار الأعلى، والتي كانت تضم 500 منشأة متوسطة وكبيرة. يتساءل. لماذا لا يطبق مرسوم المناطق المتضررة المتضمن الاعفاءات ورسوم الترميم وحتى الرسوم المخفية على كل شيء.” ويضيف: “كيف أدعو الصناعيين في الخارج إلى العودة إن كانت لا تتوفر أدنى مقومات العمل من كهرباء ومحروقات؟”

في حدود الشعارات !

تبقى الدعوات لعودة الصناعيين المهاجرين في حدود الشعارات إن لم تهيأ لهم الأسباب وفي مقدمتها البيئة التشريعية. يقول دركلت: لقد صدر مرسوم الاستثمار منذ خمسة أشهر، لكن إلى هذا التاريخ لم تصدر التعليمات التنفيذية مشيراً إلى أن الأهم في هذا المرسوم أن الصناعي يريد ضمانات لتنفيذه بحذافيره والعمل على الحفاظ على ما تبقى من الصناعيين.

لماذا مصر؟

في أحد المرات التقينا وزير صناعة سابق ليتفاجأ بوجود منشآت لتصنيع سيارات وقطع تبديلية! يقول الصناعي محمود علبي: أنا الوحيد المختص في الوطن العربي بتصنيع هذه المنشآت علما أن صناعتها أبسط من البساطة لكن نحتاج المحفزات والدعم للصناعي، مبينا أنه قرر الهجرة إلى مصر لعدة أسباب أولها: الإيجار أرخص، البيوت أرخص، الصناعي معفى من الضرائب لمدة عشر سنوات.

قرارات غير مدروسة

المدينة الصناعية في حلب

 

في غياب الدعم والتسهيلات ومقومات العمل ناهيك عن اتخاذ القرارات بشكل غير مدروس يضيف العلبي: حتى لو أني (أعمل بالذهب ما بتوفي معنا) إذ يوجد الكثير من القرارات التي تتخذ بطريقة غير مدروسة. مشيراً إلى القرار المتعلق بمنع استيراد (22) مادة من ضمنها الكثير من المواد التي تهم الصناعيين كمنع استيراد الحديد – البلاستيك مبينا أنه بمجرد منع الاستيراد ارتفع سعر كيلو الحديد إلى 12 ألف ليرة واحتكره التجار طمعاً بالمزيد، ناهيك عن قرار إغلاق المنشآت في وقت مبكر وغير ذلك. متسائلا: كيف يُطلب مني كصناعي أن أنتج وأنافس أو حتى أعيش ولا تتوفر لي أدنى مقومات الانتاج أو حتى الحياة؟

إيجاد أسواق

هو الوجع ذاته يبوح به الصناعي محمد صباغ (صناعات نسيجية) قائلاً: “عدة أمور تقصم ظهر الصناعي قبل الصناعة هي: عدم توفر مقومات العمل، وفي ظل ضعف القدرة الشرائية للناس يجب ايجاد أسواقا خارجية لتصريف الانتاج.

وأضاف إن هناك مشكلة في ارتفاع قيمة الرسوم الجمركية من 1% إلى 5% داعياً الجهات المعنية إلى تحديدها وفق تكاليف الانتاج، ناهيك عن التوزيع غير العادل للكهرباء بين المناطق الصناعية في مختلف المحافظات وكذلك ارتفاع تكاليف النقل الخارجي.

قبل الحرب

قبل الحرب كانت سورية تنتج 80% من غذائها ودوائها ومنتجاتها كافة، وتصدر الفائض إلى أكثر من 60 دولة في العالم. كما كانت من الدول الخمس الأولى التي تنتج القطن اضافة إلى ستة ملايين طن من الحبوب. وحسب رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها سامر الدبس أنه خلال هذه الحرب والعقوبات الاقتصادية الظالمة، فقد الاقتصاد السوري ثلثي ثرواته الأمر الذي زاد من الصعوبة أمام الصناعيين في تأمين حوامل الطاقة، إضافة إلى هجرتهم وهي خسارة كبيرة للثروات الحقيقية وللخبرات.

ضغوط على الصناعيين

الدكتورة لمياء عاصي الباحثة الاقتصادية وهي وزيرة سابقة للاقتصاد تحدثت إلينا عن الأسباب التي تدفع ما تبقى من الصناعيين للهجرة: “إن الضغوط على الصناعيين ولعل أولها مداهمات الجمارك والمالية والتأمينات الاجتماعية، واجراءات الاستيراد والتصدير الصعبة، إضافة إلى انخفاض الدخل والقدرة الشرائية للمواطن الأمر الذي جعل السوق الداخلي فقيرا وغير مناسب لتصريف المنتجات، وليس آخرها حالات الفساد المنتشر في كل مكان.”

النتيجة ازدياد الفقر

تؤكد عاصي أنه عندما يهاجر الصناعيون الى بلد ما، يأخذون معهم خبراتهم ومعارفهم ليوظفوها بالعمل والانتاج في البلدان المستقبِلة لهم، وهذا سيؤدي إلى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي في تلك البلدان في حين ينخفض في البلد المصدرة لهؤلاء الصناعيين.

وأضافت أنه حسب النظريات الاقتصادية فإن تدني قيمة العملة الوطنية يشجع على تصدير السلع، حيث تصبح كلفة السلع أقل وقدرتها التنافسية أكبر. لكن ما يحصل على أرض الواقع، أنه مع تدني الانتاج وارتفاع نفقاته، نشهد ارتفاعاً غير منطقي في تكلفة السلع الوطنية المنشأ مقارنة بالسلع المستوردة، وهذا يؤدي مباشرة لتراجع الإنتاج وتناقص حصة الفرد السوري من الناتج الإجمالي المحلي وبالتالي ارتفاع سعر الصرف والنتيجة هي وقوع نسبة أعلى من المواطنين في براثن الفقر المدقع.

للمحافظة على ما تبقى

إذن، تغريبة الصناعة السورية مستمرة في ظل الظروف الحالية لكن قد ننقذ البقية الباقية، إذا ما تم العمل على عدة محاور حسب رأي رئيس غرفة صناعة دمشق سامر الدبس، الذي يرى أنه لا بد من التشاركية بين القطاعين العام والخاص لضمان استمرارية الإنتاج والتي تتجلى بدعم اتحاد غرف الصناعة السورية في القرارات الاقتصادية والتشريعات، والأهم تجاوز الآثار السلبية للقرارات الصادرة بحق الصناعيين التي دفعت بهم إلى التفكير بالاستثمار خارج البلد.

جيد ولكن!

يشير الدبس إلى أن قانون الاستثمار الصادر مؤخراً تم وضعه بأسس جديدة مواكبة لقوانين الاستثمار المعتمدة عربياً ودولياً وشمل مزايا تشجيعية تؤمن فرص الاستثمار الجيد والعائد الربحي. لكن من وجهة نظره هذا ليس كافياً وإنما يجب مواجهة عقبات الاستثمار الحقيقية وإيجاد البيئة المناسبة التي تواجه الواقع الاقتصادي الجديد في البلاد، وبموازاة ذلك العمل على مواجهة العقبات القديمة التي أعاقت الاستثمار سابقاً وأدت إلى التوجه للاستثمار التجاري بدلاً من المشاريع الصناعية.

إزالة العقبات

من وجهة نظر الدكتورة عاصي، فإن المطلوب من أجل المحافظة على ما تبقى من صناعيين هو إزالة كافة المعوقات أمام عملية الإنتاج، وهذا يستلزم تأمين المشتقات النفطية لتخفيض كلفة التشغيل والنقل وغيرها، ووقف دوريات المداهمة لمواقع العمل والتكاليف الضريبية العشوائية، وخصوصاً المنشآت ذات العمالة الكثيفة التي تخفض معدلات البطالة والفقر والهجرة وترفع الناتج المحلي.

وتختم بقولها عن قانون الاستثمار الصادر مؤخراً: صحيح أنه يحتوي تسهيلات ومميزات جيدة للمستثمرين، ولكن البيئة العامة للاستثمار تعاني من نقص في أساسيات العمل الإنتاجي أهمها توفير حوامل الطاقة، والعمل على قوانين الاستيراد والتصدير وحماية الإنتاج الوطني بشكل عام.


عبء على الاقتصاد

الدكتور بركات شاهين، معاون وزير الصناعة سابقاً، يتحدث بخبرة نصف قرن من العمل في القطاع الصناعي قائلاً: إن الصناعة من أكثر القطاعات حساسية لتأثرها بعدة عوامل أولها:

– عدم استقرار سعر الليرة وهذا غير جاذب للاستثمار بأي شيء

– مصادر المواد الأولية غير موجود مثل الصناعات التي تعتمد على الأقطان.

– هجرة الخبرات الفنية

– تعرض جزء كبير من المنشآت الصناعية للتدمير والتخريب والنتيجة تدمير البنى التحتية.

من وجهة نظر شاهين أن الصناعة في الظروف الحالية عبء على الاقتصاد بعد أن كانت مولدة له، لذلك من الأفضل في ضوء الظروف الراهنة الاهتمام بالصناعات الصغيرة في ظل غياب أساسيات الصناعة.

تقييم الواقع الحالي

يضيف شاهين بأن ما نحتاجه اليوم هو وقفة مع الذات لتقييم الواقع الحالي والعمل لوضع خطة وطنية قائمة تتبناها الدولة، مع أهمية الاستفادة من تجارب الدول التي مرت بظروف حرب مشابهة كألمانيا مثلاً التي نهضت من تحت الأنقاض، وهذا يتحقق شرط توفير الادارة المناسبة مع توفر الكفاءات والخبرات والنزاهة وهذا وحده ما ينهض بقطاع الصناعة.

ماذا تقول وزارة الصناعة؟

مصدر في وزارة الصناعة تحدث لموقع (الفينيق) حول الإجراءات المتخذة، فأكد أن الوزارة تعمل ما بوسعها بالتنسيق مع غرف الصناعة السورية، حيث يتم التواصل مع الصناعيين في الخارج لاسيما المقيمين في مصر، لتسهيل عودتهم بموازاة ذلك تقديم التسهيلات للمستثمرين المحليين مشيرا إلى أن التعليمات التنفيذية لقانون الاستثمار١٨/٢٠٢١ هي قيد الصدور حاليا حيث تم إقرار الإجراءات اللازمة.

وأضاف إنه سيتم إيجاد الحلول اللازمة المناسبة للمستثمرين في الخارج خاصة في موضوع منع المغادرة المتعلق بالأعمال الناتجة عن الضرائب والتأمينات الاجتماعية وسيتم تقديم قروض ميسرة للمنشآت المدمرة وإيجاد حلول للاعتمادات المصرفية للمستثمرين لأنهم بحاجة لوسائل قانونية من أجل إعادة أموالهم.