1

السوريون.. “عيشة” سوداء واقتصاد ينتظر الحلول!

دمشق – ميليا اسبر – خاص الفينيق

مواطنون: من المعيب تحديد كميات الخبز المسموح بتناولها يومياً

يوسف: الحكومة السورية تحولت إلى حكومة جباية للضرائب!

ديب: زيادة الأجور كلفت مقدار ما وفرت وهو 900 مليار ليرة.. فما الغاية منها؟

بدأ ناقوس الجوع يدق أبواب السوريين بعد أن تضاعفت الأسعار مئات وربما آلاف المرات عما كانت عليه قبل الحرب، وبقي الثابت الوحيد هو راتب الموظف من ذوي الدخل (المهدود) بزيادات طفيفة جداً لا تتناسب وحجم الغلاء في سورية.

للحرب تداعياتها أيضاً، انخفاض القيمة الشرائية لليرة السورية جعل الوضع أكثر سوءً، يقول اقتصاديون إن القيمة الشرائية للمليون ليرة حالياً تعادل 8 آلاف ليرة فقط قبل الحرب، بينما يعيش السوري براتب 80 ألف ليرة شهرياً، في حين تحتاج الأسرة المكونة من خمسة أفراد إلى مليونين و150 ألف ليرة شهرياً حسب خبراء الاقتصاد، وهنا يمكن القول إن حياة سوداء يعيشها السوري أشبه بموت عابر للبيوت في ظل عدم وجود حلول في الأفق.

زادت الطين بلة

يقول مواطنون لموقع “الفينيق” إن الوضع المعيشي لم يعد يحتمل وقرارات الحكومة الأخيرة زادت الطينة بلة بعد زيادة أسعار المازوت والخبز وغيرها التي أثرت سلباً على الحياة اليومية لهم في ظل راتب أشبه بالإعانة أو الشحاذة، فمن المعيب تسميته براتب شهري وهو بالحد الأقصى لا يتجاوز 100 ألف ليرة، بينما نحتاج إلى عشرات أضعاف هذا المبلغ، لافتين أنه من المعيب جداً أن يحدد للسوري الكميات التي يحق له تناولها من مادة الخبز وهي رغيفان ونيف يومياً علماً أن الخبز قد يكون المادة الوحيدة التي يتناولها أغلب الفقراء في بلدنا.

تراجع القدرة الشرائية لليرة

للخبراء في مجال الاقتصاد رأيهم في هذا الموضوع حيث أشار الخبير والباحث الاقتصادي الدكتور عمار يوسف أنه في معادلة بسيطة لحساب القدرة الشرائية لليرة السورية في عام 2011 مقارنة بعام 2021 نجد أن القيمة الشرائية للمليون ليرة حالياً تعادل 8200 ليرة فقط قبل الحرب وهي في تناقص مستمر، مع العلم أن 8000 ليرة كانت سابقاً تشكل ثلث راتب الموظف، لكن المليون ليرة حاليا تعادل 12 ضعف راتب الموظف، فالمطلوب من المواطن أن يعيش بجزء من 12 جزء من الراتب في حين تضاعف المصروف 120 ضعفاً، وهذه معادلة مستحيلة لا يمكن تحقيقها، بمعنى راتب الموظف سابقا كان 20 ألف ليرة وسطياً والتي كانت تعادل 400 دولار، إضافة لذلك كانت تدعم الدولة المواطن السوري بما يعادل 5000 ليرة لكل فرد، من خلال الخدمات التي كانت تقدمها خدمات التعليم – الغذاء – دعم الطاقة –– كل ذلك كان ينعكس ايجاباً على المواطن، لكن حاليا تراجع الدعم بشكل كبير جدا، وارتفعت أسعار المواد، انطلاقا من ذلك نقول إنّ 95% من السوريين تحت خط الفقر المدقع بحسب معايير الأمم المتحدة، لافتاً أن العائلة السورية المكونة من خمسة أشخاص تحتاج من الأكل والشرب إلى مليونين و150 ألف ليرة شهرياً لحد الكفاف وليس الرفاهية.

حكومة جباية

وبين يوسف أنه عند كل ضائقة مادية للحكومة تمد يدها مباشرة إلى جيب المواطن الذي هو الحلقة الأضعف بهذه المعادلة، حيث تحولت إلى حكومة جباية، مثلا زيادة الرواتب 50%، رافقها ارتفاع سعر المازوت والخبز وبذلك تكون الحكومة حققت عائد من هذا الموضوع أضعاف مضاعفة من الذي دفعته في زيادة الرواتب، بظل معادلة بسيطة تقول إن هذه المواد التي رفعت سعرها هي أساسا غير مؤمنة للمواطن، مثلا سعر ليتير المازوت ارتفع من 180 ليرة إلى 500 ليرة، لكنه غير مؤمن، فلماذا رفعت الحكومة سعرها اذا، وتالياً سوف يتجه المواطن نحو السوق السوداء، والسؤال من أين تأتي موارد السوق السوداء، ما يعني بالتأكيد أن استيراد المازوت أو حوامل الطاقة سوف يمر عبر قنوات رسمية مثلا عندما تعطي الحكومة عائلة 50 ليتراً من المازوت على مبدأ (دبري راسك فيهم) علما أن هذهه الكمية لا تكفيها أكثر من أسبوع فقط، هنا تكون الحكومة دخلت بحالة انفصال عن الواقع، بالوقت الذي تكون المادة متوفرة بسعر السوق السوداء، وبأضعاف مضاعفة حيث وصل سعر ليتر المازوت اليوم إلى 3000 ليرة، نتيجة استعماله بالمولدات وغيرها.

ليست معجزة

وعن الحلول التي من الواجب تقديمها للسوريين يقول يوسف إنه في أي لحظة ممكن اجتراع الحلول وهي ليست معجزة لكن نحتاج الى حكومة تخاف على الدولة، فالمشكلة ما بين الحكومة والدولة هذا المعيار البسيط أنّ الحكومة منفصلة عن الدولة في هذا الوقت، بينما الهدف من الدولة الاستقرار، هناك شيء يسمى نظرية عقدية في عملية نشوء الدول، فهناك عقد اجتماعي بين المواطن والحكومة، أن يلتزم المواطن بالطاعة وتلتزم الحكومة بالأمن وهو الأمن الشخصي – الغذائي – الصحي، أمن العمل – خلال هذه المعادلة يخلق أبعاد كثيرة بالنسبة للمواطن، ما يعني أن الحكومة عندما لا تؤمن لمواطنها حاجاته الأساسية بالتأكيد سوف يخلق حالة من عدم الرضا والاعتراض على هذا الموضوع أو ذاك.

التركيز على سعر الصرف

بدوره دكتور الاقتصاد سنان علي ديب أكدّ لـ”الفينيق” أنه منذ بداية الحرب كان التركيز على سعر الصرف، والترشيد بالاستيراد باستثناء الأساسيات ولوازم الانتاج، لكن للأسف مع كل انتصار عسكري كانت المنعكسات الاقتصادية سيئة بحيث يترافق معه ارتفاع سعر الصرف وازدياد استيراد الكماليات وانتهاج سياسات أبعد ما تكون عن نهج بلد يعيش بحرب كونية، علماً أنّ البرنامج أو النهج الذي كان مطروحاً قبل الأزمة استمر تمريره بحجة ما يسمى بالدعم وهو توزيع حكومي للأموال عبر دعم المنتجات الأساسية التي تعمل وفق مؤشرات تنموية متميزة بلا ديون مع احتياطي مميز الذي أهدر أول الحرب، مشيراً أن السنتين الأخيرتين “سنوات الطوابير” بعد قيصر والحصار والخناق الذي كان شماعة لتمرير الكثير من القرارات وكأن الرهان على الكسر الإقتصادي وتحقيق ما عجز عنه الارهاب العسكري لصمود الجيش والشعب السوري، وليعود موضوع الدعم وضرورة تصفيره تماشياً مع رؤى محللين أو منظرين مرتبطين مع المؤسسات الدولية ورفع مستمر لأسعار الوقود و ارتفاع تكاليف المعيشة لأرقام خيالية وتقويض لأي دور للكوابح – للقرارات أو لأجهزة مراقبة الأسعار وليكون المواطن بين رحى الأسعار والتجار ووسط سلبية دور ما سمي وزارة حماية المستهلك والمؤسسات التابعة لها لتكون تابعة للسوق، علماً أنّ المرسوم 8 أرعب الفاسدين ولكنه وضع بالأدراج!

وأضاف ديب: إن تسعير الصرف حالياً لا يخضع للعرض والطلب وإنما وفق معايير مجهولة وقد جاء التضخم مترافقاً مع ضغوطات وأزمات خانقة ووصول أغلب المواطنين لمعاناة غير طبيعية مع تراخي أغلب المؤسسات المناط بها عن استعمال الأدوات الرقابية وأيضاً الأدوات النقدية والمالية التي ساهمت بالتضخيم والركود ورفع أسعار جنوني ومنها العقارات لتكون السياسة المالية كأنها مستقلة غير مرتبطة بباقي المؤشرات.

900 مليار ليرة

وكشف ديب أنّ قرار رفع المحروقات وآخرها المازوت انعكست على كل الاسعار وتبعها رفع للأجور إلا أنه من المخجل تسميتها بزيادة رواتب لسبب أنها زادت في الكمية بينما أنقصت القوة الشرائية، فقد استهلكت زيادة الرواتب مقدار ما وفرت للخزينة وهي ما تعادل 900 مليار ليرة، لافتاً أنه لطالما لم يكن هناك وفرات فهل المغزى السير بمفهوم رفع الدعم أم هناك غايات أخرى، علماً أنه لا يوجد نهج واضح يتناسب مع الظروف وغالبا المواطن موضع للتجريب، مضيفاً أن زيادة الرواتب امتصت ما وفر تحت حجة رفع الدعم، فوجود البطاقة الذكية حدد الطلب وسط ضعف العرض، وبالتالي ازداد المبلغ الذي تحتاجه الأسرة المكونة من خمسة اشخاص إلى مليون ومائة ألف حسب أرقام المركزي وتعديلها وتترافق مع فلتان في موضوع الخبز من حيث الكمية والسعر والوزن والنوعية والتي في أماكن كثيرة لا تصلح علفاً، ويتساءل ديب: هل هناك أرقام ومعطيات عن الشرائح التي يجب أن يوجه لها الدعم، وهل المعطيات عبر “داتا” البطاقة الذكية حققت معيار الدعم لمستحقيه، وهل كل من نال البطاقة يستحقها وفق الشروط الموضوعة، فهناك من صدر له بطاقة وهو خارج البلد، وهناك مطلقة وتزوجت وأعطيت على أساس تستحق، وكثير من الحالات، بمعنى أن القرار يصدر لكن لا يوجد متابعة أو تصويب له.

ويضيف ديب: يجب على الفريق الاقتصادي أن تكون قراراته وفق قراءة شاملة، ولكن ما حصل أن قراراته كانت للتجريب فقط وقد يعترف بخطئها، ولكن لا يتراجع عنها. وكل ذلك بداية لخسارة القطاع العام وعدم إصلاحه لتقويض دور المؤسسات المنوط بها التدخل لخلق التنافسية وحتى عدم متابعة الإجراءات ومحاسبة الفاسدين ممن صنعوا الأزمات ليصنعوا سوق للوقود والخبز والغاز، منوهاً أنّ الحكومة غير مهتمة بالمواطن ولا بالعدالة الاجتماعية ولا بمصير بلد يراهن الغرب على قتله اقتصاديا.

وختم بالقول: إنّ السير بالاصلاح الاداري علاج لكثير من المشاكل، ولكن بتعيينات وفق معايير النزاهة والكفاءة، وكذلك وفق برامج ومحاسبة مستمرة.. ما نحتاجه اليوم هو نوايا سليمة وإرادة قوية بحيث يكون المواطن والوطن هو البوصلة لاسيما في ظل صعوبة الظروف وقسوتها وضبابية الوضع الاقليمي والدولي الذي له انعكاسات كبيرة.

أخيراً

لا أحد ينكر أبداً أن الحرب التي بدأت على سورية منذ عشر سنوات ومازالت، قد لعبت دوراً كبيراً في تراجع المستوى الاقتصادي للسوريين، لكن بنفس الوقت تتحمل الحكومات جزءا كبيرا بسبب سوء ادارة الفريق الاقتصادي للملف المعيشي وربما فساده في بعض الأحيان الأمر الذي أوصل السوريين إلى ما هم عليه الآن!