1

الدكتور عاطف عطية، مهلاً

 

وصلنا الرد التالي من الرفيق شحادي الغاوي ردًا على رسالة الدكتور عاطف عطية التي سبق لنا نشرها هنا.

لم تكن ندوة يا دكتور بل كانت محاضرة المتكلم الوحيد فيها هو حضرتك، ولم تكن حول مقالة بل حول ورقة بحثية كتبتها وحدك. أما الحضور فكانت لهم أسئلة أو مداخلات قصيرة على قدر ما يسمح به الوقت. لو كانت ندوة يشترك فيها أكثر من متكلم لما لجأ أحد الى النقد والنشر لاحقاً في مكان آخر.

لم “يتهمك” أحد أنك أمينٌ في الحزب، فلا موجب لهذا الهجوم على الرتبة التي “لا تعنيني في شيء“، حسب قولك، وعلى “كثيرين من حملتها الذين دمروا الحزب ومزقوه نتفاً وتغذوا من شرايينه…الخ“. كل ما في الأمر أنه خلال المحاضرة خاطبك بعض الحضور بحضرة الأمين فلم تقل حضرتك ما تقوله الآن بأنك لست أميناً ولم تحظ بشرف حمل رتبة الأمانة، بل بادرت، بإنفعال شديد أذهل الحاضرين، بشن حملة على الرتبة وحامليها وركزت بأنك لم تسع اليها ولا يشرفك حملها، مما التبس على سامعيك إذا كنت تحمل الرتبة أم لا. عذراً يا دكتور فكلنا ظنناك أميناً، ولكن لا أحد منا جادلك وحاججك حول هذه المسالة التي استرسلت فيها وحدك. هذه مشكلتك أنت يا دكتور ونحن لا دخل لنا فيها.

أيضاً، لم يطالبك أحد، لا أنا ولا غيري، أن تكون مبشراً في الحزب ولا أن تكون “حامل العقيدة القومية الاجتماعية على كتفيك تدور فيها من مجلس الى مجلس“. كل ما في الأمر هو  أنك أنت من  بادر وقال أن الكلام مع مواطن في حلقة إذاعية لإدخاله في الحزب يجب أن يختلف عن الكلام لعموم الناس، فأجبتك أنا بأننا كقوميين أجتماعيين، وخاصة الأمناء منّا، لا ينبغي علينا التكلم بلغتين وأسلوبين واحدة داخل الحزب وواحدة مختلفة خارجه. أمّا إنفعالك وعلو صوتك وشرود كلماتك وخروجك على موضوع المحاضرة فهذه كلها، أكرر، مشكلتك أنت يا دكتور ونحن لا دخل لنا فيها. وإذ ترجو لنا “كمال العافية وصحة النفس والبدن” فنشكرك، ولا ننسى أن نهنئك على تغيير رأيك الآن وقولك: “أنا لم أكتب بوجهين، الوجه التبشيري، والوجه البحثي. ولا بأسلوبين، أسلوب القومي في الداخل، والمحايد في الخارج. هذه الأحكام القيمية تخفّف من رزانة النقد، وتؤكد على وحدانية التوجه في التعاطي مع الفكر، وهو أسلوب مجّه الباحثون، ويتعاطى به اليوم أكثر الناس تعصّباً وتطرفاً”. لكننا لم نفهم كيف تكون الأحكام قيمية وكيف أن وحدانية التوجه في التعاطي مع الفكر هو اسلوب مجّه الباحثون. أرأيت؟ إننا لا نفهم بسهولة ولا نستوعب ابحاث الباحثين.

أيضاً، إنك يا دكتور تشكر “شحادي” على إهتمامه وعلى تدخله في النقاش. لا شكر على واجب، لكن يبدو أنك عليم بخلفية

 شحادي هذا وما يضمر وتحكم على خلفيته وعلى ما يضمره وتقول إنه “قرأ بتسرّع ومن خلفية أن كل ما يرد من خارج القومية الاجتماعية مردود وكل ما لا يرتبط بمفردات قاموس القومية الاجتماعية مرفوض”، ثم تتبرّم من نشره لتعقيبه في مجلة الفينيق “وكأن لا نقاش دار حول الورقة ولا حوار تبعها”.

لا يا دكتور، أنا لا اقول أن كل ما يرد من خارج القومية الاجتماعية مردود وكل ما لا يرتبط بمفردات قاموس القومية الاجتماعية مرفوض، فلكل إنسان رأيه وحريته وحقه في قول ما يشاء، ولكني لا أستسيغ الذين يقولون أنهم يبحثون  ويحللون انطلاقاً من فكر سعاده وبمنهجية قومية إجتماعية ثم يتنكرون لهذا الفكر ويخبئونه ولا يجاهرون به ويقلدون غيره ويستعملون مفردات ومقولات غيره لأنهم باحثون وليسوا مبشرين. أمقت الذين يهربون من الموضوع الرئيس الذي يناقشهم فيه الناقد ويلجأون الى تناول الناقد في شخصه فيقولون أنه لا يستوعب ولا يفهم ولا يقرأ، ويضعون على لسانه كلمات واقوال لم يقلها ولم يلفظها ويوهمون القارئ انه قالها كي يسهل عليهم الرد عليه. مثل على ذلك قول الدكتور: لقد استغرب شحادي إيراد بعض المفاهيم والمصطلاحات في الورقة مثل المجتمع المدني والمجتمع الأهلي، والمواطنية والدولة المدنية، ليس لأنها مفاهيم ومصطلحات مغلوطة، بل لأنه لم يفهم معناها ولا مرّت في قراءاته المديدة، ولا ظهرت تحت قلم سعاده. حتى تعبير سوسيولوجيا السياسة، لم يمرّ في ذهنه سابقاً. وكانت النتيجة أن صبّ نقده على هذه الطريقة في التعبير، مع أن مجمل كتابات سعاده تدور في فلك سوسيولوجيا السياسة، وسوسيولوجيا الدين، بالإضافة إلى سوسيولوجيا المعرفة. وقد استعمل سعاده المعاني نفسها في تعابير مغايرة”. كيف عرفت أنه مرّ أو لم يمر في ذهني تعابير سوسيولوجيا السياسة أو الدين أو المعرفة، في وقت لا أنا ولا أنت تناولناها أو لفظناها أواستعملناها لا في المحاضرة ولا في المداخلة ولا في النقد المكتوب؟ أم أنك تريد أن تقول لنا أنك مفكر وباحث وعارف وعالم بما لا يعلمه غيرك؟

أمّا تعابير الوطن والمواطنة والوطنية فنعم أنا استغربت، لكن لم أستغرب إيرادها بل استغربت التخبط والتذبذب في فهم المحاضر الدكتور الباحث صاحب الورقة البحثية، لمعناها. فمرة يقول إن الوطن هو الشعب المقيم على أرض محددة، ومرة ثانية يقول إن الوطن هو الأرض المحددة التي يقيم عليها شعب معين، ومرة ثالثة وجديدة الآن هو “أن الوطن هو حصيلة وعي الناس لانتمائهم” (انتمائهم لمن أو لماذا؟). وعن المجتمع المدني مرة يقول أنه مصنوع من الدولة المدنية، ومرة ثانية يقول العكس أي  أن الدولة نفسها “هي حصيلة الثقافة الاجتماعية ومرتبطة بالتطور المجتمعي العام”، ومرة ثالثة يقولها اليوم وهي “أن المجتمع المدني هو حصيلة وعي الناس لانتمائهم”!

هذا هوالموضوع الأساس الذي كان على الدكتور عاطف عطية أن يتناوله في رده على “شحادي” ويعتمد تعريفاً علمياً واحداً له ولمصطلحاته العلمية. أما التذبذب والتردد والإرتباك والفوضى وعدم الوضوح فلا يسمى بحثاً.

أن الذي يضيق صدره من النقد، ويتناول النقّاد بشخصهم ويقول إنهم لا يستوعبون ولا يفهمون ولا يقرأون، وخلفيتهم كذا وقصدهم كيت، ويأنف من مخاطبتهم مباشرةً متكبراً مدّعياً الاستذة والمعرفة، ومن يسمي نفسه باحثا إجتماعيا، يجدر به على الأقل أن يعرف الفرق بين المحاضرة والندوة، وبين الورقة البحثية والمقالة، فلا يخلط بين هذه وتلك.