1

الإدارة بالتنكة!

حجزت التنكة مكانتها الآسرة في الذاكرة العربية مبكراً، فمنذ أن كان الناس يطرقون على التنك من أجل مكافحة الظواهر الغريبة، إلى اللحظة التي قالوا فيها إن الشعب “عايف التنكة”، تمكنت هذه العلبة “المقرقعة” التي لا تعبّىء عين أحد، من تأسيس مدرسة كاملة في التفكير واختراع الحلول للقضايا المستعصية، حتى إن البعض كانوا ينصحون كل شخص يقع في ضائقة بالقول: “مالك غير التنكة”، فهي ليست سهلة الاستخدام وحسب، بل لا تكلف أية ميزانيات ولا تتطلب كوادر أو خبراء، لأن المثل الشهير القائل بأن الحديد لا يفله إلا الحديد، يزبط هنا لنقول إن التنكة لا يلزمها إلا رجالٌ من تنك ومعداتٌ تنك، والأهم من ذلك كله تفكيرٌ تنك!

مثلما تحدث علماء التاريخ عن حضارات عصر الفخار وعصر الحديد وغير ذلك من المعادن، يمكن اليوم القول إننا الآن في عصر التنك، حتى لو ظهر الأمر للوهلة الأولى وكأنه تخلف أو رجوع للوراء، إلا أن التنكة من حيث الجدوى الاقتصادية والتفسيرات الغيبية، تعتبر أكثر فاعلية في علوم الإدارة، فهي لا تريح العقل من البحث والتفكير بالحلول عبر “الطرطقة” على التنكة وحسب، بل توفر السلام والاطمئنان الروحي عند البشر الذين تُسدّ الدنيا في وجوههم فلا يبقى لهم غير التنكة لاستنهاض الهمم.. ولا نغالي عندما نقول إن العرب هم أول من سخّن الماء بالتنكة من أجل الاستحمام، وأول من استخدمها في حفظ المونة وبناء العشوائيات، فعملياً فإن سقوف التوتياء المستخدمة في بناء أحياء المخالفات، عبارة عن ألواح من التنك.. كذلك الأمر بالنسبة للشبابيك و”البيبان” و”أصص” الزريعة، فهي جميعها تنكٌ في تنكٍ في تنك!

.. تسللت التنكة إلى مفاصل الحياة اليومية، فالأحزاب أصبحت من تنك بعد رقّقوا صاجها السميك وحولوه إلى تنكٍ سهل على التعديل والطيّ.. كذلك الأمر بالنسبة للمؤسسات والمعامل والحكومات ودور السينما والجرائد والمراكز الثقافية، جميعها خضعت “للتتنيك” الممنهج كي ندخل  بجدارة عصر التنكة أسوة بعصور خلت كعصر الحديد والبرونز والنحاس!

في الحقيقة، نحن مدينون للتنكة في كل شيء! وما استخدام التنكة في تنظيف شواطئ بانياس من الفيول المتسرّب، إلا دليلاً على صحة ما نقول، كذلك الأمر بالنسبة لتنكة الوقود الهلامي التي نزلت إلى السوق حديثاً كي لا يُحرم الشعب من تسخين أباريق المتة.. بل إن هناك من يقول إن الطاسة التي ضاعت يوماً لم تكن إلا تنكة لطّفوها لغوياً فسمّوها طاسة!

من بداية عصر الانحطاط، وأجدادنا الكرام يدقّون على التنكة كي يُبعدوا المذنبات ويواجهوا الكسوف والخسوف ويتغلبوا على الكوارث، ولم يعرفوا أن خسوفاً أصاب هذه الأمة وجعل حديدها صدئاً، حتى إنها اليوم تغرق في تنكة! عرفتوا كيف؟