1

أسعار عقارات دمشق تضاهي لندن وباريس!

المكاتب العقارية: الأسعار خيالية وجمود يخيم على سوق العقارات

خبير اقتصادي: مشكلة العقارات جزء من الأزمة الاقتصادية ولا يمكن حلها بشكل منفرد   

قانوني: القانون يتدخل في حال الغبن فقط والعقد هو شريعة المتعاقدين

ميليا إسبر

قد يستغرب المتابع عندما يسمع أن “أسعار العقارات في بعض أحياء دمشق تضاهي لندن وباريس!” فالبلد الذي عانى طويلاً من الحرب، وتغيب عنه الكثير من الخدمات الأساسية، يصل سعر وإيجار المنزل فيه إلى أرقام خيالية، ففي حي الميدان الواقع جنوبي العاصمة مثلاً، يصل سعر المنزل إلى 5 مليار ليرة بينما إيجار أقل بيت فيه يتجاوز المليون ليرة.

لا يتوقف الأمر على الأحياء الراقية فقط، فالوضع في المناطق العشوائية ليس أفضل حالاً بالرغم من شبه انعدام للخدمات فيها. أسعار العقارات تحلق ليصل سعر البيت الذي مساحته 90 مترًا إلى أكثر من 150 مليون ليرة، وإيجار غرفة بسيطة يصل إلى أكثر من 70 ألف ليرة.

فوضى عارمة تشهدها سوق العقارات في سوريا، دون وجود قانون أو ضوابط لهذا الشأن. يقول المختصون بالقانون إن من يحكم سوق العقارات هو العُرف، حيث العقد شريعة المتعاقدين، وطالما يوجد رضا من قبل البائع والشاري فلا يستطيع القانون أن يتدخل إلا من قبل قانون البيوع العقارية الذي تحدد فيه وزارة المالية سعر المتر في هذه المنطقة أو تلك لاحتساب الضريبة على أساسها، ويتدخل القانون في حال الغبن الشديد وبشكوى من الشخص الذي تعرض للغش.

مجلة “الفينيق الإلكترونية” استطلعت آراء بعض الشرائح الاجتماعية لمعرفة حالهم بالنسبة لما يعانونه من تأمين مسكن في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها الشارع السوري. 

 مرهِقة ماديًا ونفسيًا

يصعب على المواطن السوري شراء غرفة أو استئجارها في ظل ظروف أبسط ما يقال عنها إنها قاسية جدًا. يقول “أبو أحمد” الذي كان وعائلته أحد ضحايا الحرب، فقد خسر فيها منزله الكائن في منطقة “السبينة” في ريف دمشق عندما كانت الحرب في أشدها، فاضطر للنزوح الى المناطق الآمنة من ريف العاصمة، مشيرًا إلى أن الايجار أرهقه ماديًا ونفسيًا، فهو لا يستطيع تأمين قوت عائلته، ليزيد الايجار من أعبائه  الحياتية. الآن يستأجر منزلاً مؤلفًا من غرفتين مع المنافع بـ150 ألف في منطقة عشوائية تفتقد أبسط الخدمات. يؤكد أبو أحمد أنه يتعرض للابتزاز من قبل مالك البيت حيث يطالبه كل فترة برفع الإيجار، وأنه قرر زيادة الايجار إلى 200 ألف ليرة مع نهاية العقد المبرم بينهما الذي ينتهي آخر العام الحالي.

الشاب “علي” يقول بغضب واستياء، إنه يعجز عن شراء غرفة بهدف الزواج بعد أن أنهى خدمته الاحتياطية في الجيش، بسبب الارتفاع الكبير في العقارات!

ركود غير مسبوق

قمنا بجولة على بعض أصحاب العقارات في بعض مناطق ريف دمشق. فأكدوا أنّ سوق العقارات يعاني ركودًا غير مسبوق، فحركة البيع والشراء تكاد تكون معدومة والسبب هو ارتفاع أسعار العقارات بشكل كبير خلال الأشهر الماضية. مشيرين إلى أن سعر منزل صغير في منطقة عشوائية بمساحة 50 متر يتجاوز 30 مليون ليرة، بينما سعر بعض العقارات يصل إلى 150 مليون ليرة، وذلك حسب الموقع والمساحة، أما بالنسبة للإيجار فهو أيضًا مرتفع، حيث إنّ ايجار غرفة متواضعة يصل إلى 50 ألف ليرة، بينما إيجار أي منزل يتجاوز 150 ألف ليرة مهما كانت مواصفاته!

أسعار فلكية

طلال الزعيم يعمل في مجال العقارات وصاحب مكتب عقاري في دمشق، يقول إنّ أسعار العقارات فلكية في بعض مناطق دمشق، مثل أحياء المالكي وتنظيم كفرسوسة اللذين يقعان وسط العاصمة دمشق. كذلك فإن سعر بعض المنازل في حي الميدان جنوب العاصمة دمشق، حوالي 2 مليون دولار، ما يعادل 5 مليار ليرة، ومتوسط إيجار المنزل فيه يتجاوز مليون ليرة، علماً أنّ القيمة الشرائية للمليون ليرة حالياً تعادل 12 ألف ليرة سورية فقط قبل الحرب. لقد ارتفعت أسعار العقار عشرات الأضعاف. مثلاً العقار الذي كان سعره 2 مليون ليرة أصبح حالياً بـ400 مليون.

للخبراء في مجال العقارات آراؤهم حول الواقع الذي شهده سوق العقارات في سورية. ففي علم الاقتصاد، فإن كلمة ارتفاع لا معنى لها اذا لم تقارن بالدخل وهنا المشكلة الأساسية التي يعاني منها الشعب السوري ألا وهي الدخل المحدود جدًا. 

في حديث خاص لـ”مجلة الفينيق” قال الخبير العقاري ونائب رئيس جامعة اليرموك الخاصة الدكتور محمد الجلالي: “إذا كان دخل الشخص 5 مليون ليرة، وسعر العقار 100 مليون ليرة، في هذه الحالة لا تكون الأسعار مرتفعة بالنسبة له، بينما تكون مرتفعة عندما لا يوجد تناسب بين أسعار العقارات وبين وسطي الدخل لمعظم الناس سواء الذين يعملون في القطاع الخاص أم العام، لافتًا أنّ هذا ما جعل موضوع امتلاك منزل حلم صعب المنال.”

تكلفة المتر المربع نصف مليون ليرة!

يقول الجلالي إنّ سبب ارتفاع أسعار العقارات يعود إلى ارتفاع تكاليف البناء. فقد وصل سعر طن الحديد إلى 3.5 مليون ليرة، وطن الاسمنت لأكثر من  300 ألف ليرة، ومكعب البيتون من المجابل يصل سعره إلى 200 ألف ليرة، وتاليًا فإن تكلفة المتر المربع  الواحد 500 ألف ليرة، بينما كانت تكلفته قبل الحرب 5 آلاف ليرة فقط. وأضاف: إنّ هذا الكلام ينطبق على المباني العادية غير مرتفعة، بينما البناء الذي يزيد عن عشرة طوابق أو يقع في منطقة صعبة التضاريس فمن المؤكد ستضاف على التكلفة أعمال الأقبية والأساسات، وقد تصل كلفة المتر مربع بين 700- 800 الف ليرة، فاليوم أي شقة بمساحة 100م تصل تكلفتها على الهيكل إلى ما بين 70- 80 مليون ليرة، ومع اكسائها تصل تكلفتها 150 مليون ليرة. 

ظاهرة غريبة

ركز جلالي على وجود ظاهرة غريبة لا توجد إلا في سوريا تحديدًا، وهي وجود الكثير من العقارات فارغة، ولمعرفة أسبابها فذلك يحتاج الى تحليل ودراسة أكثر من مجرد مشاهدة. يعني يجب معرفة ما هو العدد بدقة، طبيعة مالكيها، لكن اذا فكرنا مليًا بتفسير الأسباب فقد نجد أن مالكي العقارات إما أشخاصًا داخل البلد لديهم فائض من المال يستثمرونه في العقارات للحفاظ على قيمة أموالهم، واحتمال يكون بعضهم من المغتربين الذين غالبًا ما يشترون عقارات في البلد، فهذه العقارات الفارغة مؤشر إلى عدم وجود بيئة استثمارية، ومن ناحية أخرى فإن هذه الظاهرة تعتبر مؤشرًا على سوء توزيع الدخل والثروة في المجتمع.  

أضاف الجلالي: “يمكن القول إنّ مشكلة العقارات جزء من المشكلة العامة في البلد، وإنه حسب هرم “ماسلو” تأتي في المرتبة الأولى الاحتياجات الحياة المعيشة (الأكل والشرب) ومن ثم المسكن. هناك ارتفاع في تكاليف الحياة مقارنة بالدخول. وطبعا هذا ما نراه ونلاحظه، حتى الحكومة تعترف به وتقول إنها تريد اتباع الترشيد وعمل برامج لرفع الأجور ولكن الأمر يحتاج تنمية اقتصادية حقيقة.”

جزء من الأزمة الاقتصادية

وحسب رأي الجلالي فإن أزمة العقارات جزء من الأزمة الاقتصادية بشكل عام، فلا يمكن حل أزمة العقارات بشكل منفرد، لأن الأمور مرتبطة مع بعضها البعض، أي إنه من المستحيل تخفيض أسعار العقارات بسبب تكلفتها المرتفعة جدًا، وفي حال تم تخفيضها يجب أن يكون هناك جهة تتحمل هذه التكلفة، من هي هذه الجهة، هل هي الحكومة مثلاً؟ وإذا تحملتها فهذا يعني أنها تريد أن تمول بالعجز مما يؤدي إلى زيادة التضخم وتاليًا عودة الأسعار إلى الارتفاع، أي أنه لا يوجد حلول، وعملية التنمية لا تتم بفترة بسيطة بل تحتاج الكثير من الوقت.

تباين في الأحياء

ولدى السؤال عن حقيقة ما إذا كانت سوريا تحتل المرتبة الأولى عالميًا في ارتفاع أسعار العقارات يقول جلالي:

“هناك تباين بين الأحياء المختلفة في دمشق، مثلاً الأحياء الراقية مثل حي المالكي – أبو رمانة –– الروضة – أحياء المزة، تختلف بشكل كبير من ناحية الأسعار مع أحياء أخرى. والسبب أن المدينة غير منظمة بكاملها، مثلاً في باريس يوجد شقة في سنتر باريس سعرها مرتفع أكثر من شقة بحي المالكي الذي يعتبر من أهم الأحياء الراقية بدمشق، لكن بالمقابل فإن أطراف مدينة باريس تحتوي شققًا أرخص بكثير من المالكي. فهناك منازل الحي متشابهة مع بعضها البعض من حيث الخدمات وغيرها.”

وبيّن الجلالي أن سبب ارتفاع سعر منزل عن الآخر له علاقة  بتنظيم المنطقة وجودة الخدمات فيها، لذلك يرتفع سعر المتر فيها إلى درجة خيالية، بالمقابل ربما يكون الحي الذي بجواره تمامًا سعر المتر فيه غير مرتفع، على سبيل المثال سعر المنزل بمنطقة أوتوستراد المزة مليار ليرة، في حين سعر منزل  يبعد عنها 1كم  في منطقة مزة 86  بسعر100 مليون وبنفس المساحة لأنها منطقة عشوائية، مشيرًا إلى أنه يحيط بمدينة دمشق17 منطقة عشوائية، لذلك من المؤكد عندما لا يكون هناك استغلال  لمساحة مدينة دمشق بشكل كامل ومنظم سوف نجد  سعر العقار فيها  متل الدول الاوربية، لكن بعبارة أدق  نستطيع القول إن  أسعار العقارات في بعض أحياء دمشق تضاهي لندن أو باريس، كاشفًا أن عقارات دمشق الأعلى سعرًا على مستوى سورية، تليها منطقة الساحل، ثم حلب وبعدها ريف دمشق. علماً أن بعض مناطق  الريف بدأت بالازدهار مثل صحنايا وضاحية قدسيا، تليها منطقة الداخل بينما المنطقة الشرقية الأرخص في سورية.

مئات آلاف المنازل تدمرت في الحرب

وكشف الجلالي أن سورية خلال الحرب خسرت منازل كثيرة، فهناك جهات خارجية تقول إن عدد المنازل المدمرة بلغ مليون مسكن، بينما الجهات المحلية كوزارة الإسكان لا تملك رقمًا دقيقًا عن عدد المنازل المهدمة، لكن من المؤكد وجود مئات الآلاف من المساكن المدمرة، بينما على المقلب الآخر حدثت هجرة كبيرة من البلد، وهناك قسم من المهاجرين يريدون أن يعودوا، لكن البلاد تحتاج الى الاستثمار في مجال البناء والعقارات.

قانون البيوع العقارية    

عن دور القانون في ضبط سوق العقارات، أوضح المحامي عبد الفتاح الداية أن القانون أصبح يتدخل بحسب قانون البيوع العقارية الجديدة، حيث المالية هي التي تحدد سعر المتر في أي منطقة، وعلى أساسها تُحدّد الضريبة، لكن هذا يطبق على الضريبة فقط وليس على السعر، يعني إذا كان سعر المنزل 10 مليون في منطقة، ما حسب تقرير المالية، وسعر المتر فيه 100 ألف، فيتم  تسديد الضريبة بناء على ذلك، ولكن لا يوجد التزام من قبل الناس، لأن المكتب العقاري هو من يحدد العُرف، أي إنه يحدد سعر المتر بحدود 100 ألف في هذه المنطقة، وفي منطقة أخرى 200 ألف، وقد يصل إلى 6 مليون ليرة.. الخ. عمليًا سعر العقار يحكمه العرض والطلب والعقد هو شريعة المتعاقدين.

يتدخل القانون في حال الغبن فقط

وبيّن الداية أن القانون يتدخل في حال الغبن، مثلاً عندما يشتري مواطن منزلاً بسعر200 مليون، وهو أساسًا لا يتجاوز سعره 100 مليون ليرة، فهو قد تعرض للغبن. في هذه الحالة بإمكانه أن يسلك الطريق إلى القضاء، لكنها من الدعاوى القليلة والنادرة جدًا. يقول الداية: “بعيدًا عن القانون، فإن موضوع العقارات لا يمكن حصره، لأن العرف والمكتب العقاري يقرران سعر المتر في هذه المنطقة أو تلك، علمًا أن الأسعار في دمشق أصبحت فلكية من حيث والبيع والشراء وكذلك الإيجار.”