1

أحلام في المواجهة

جلس المعلم لطاولته، يراقب عيون تلاميذه المترقبة، لم يكن من عادته أن يدخل قاعة الصف بصمت وهدوء، كانت حيويته، قوته، وصوته دائماً في سباق مع الوقت.

نظر لتلاميذه والأسى يجتاح تقاسيم وجهه، ماذا سيعلمهم اليوم؟ .. أيُّ علمٍ يقدمه لهم وأيُّ درس؟ .. هل من درسٍ يوازي بأثره كل هذه الدروس التي يعايشونها بواقعهم الأليم؟

تقدم خالد من أستاذه قائلاً بصوتٍ يكاد لا يسمع: هل سنأخذ درساً اليوم يا أستاذ؟

أجابه أستاذه وهو لا يقوى النظر في عينيه: نعم، فدرس اليوم عن … عن …. ، عاد الأستاذ يحدق بتلاميذه وصوته يتحشرج في حنجرته سجيناً.

وقف الأستاذ، لملم أغراضه ومضى، كيف أعلمهم أن الدين محبة وهم لا يرون إلاَّ الكره تحت اسم الله!! كيف أعلمهم أن الدين معاملة، تسامح، أخلاق، وعدالة وهم لا يرون إلاَّ القتل، الظلم، الذل، والاستعباد!!

دوى في المحيط صوتٌ هز الأركان والعظام، أيقظ الأستاذ من سطوة أفكاره، نظر حوله كان الجميع يركضون في كل الاتجهات دون هدف، نظر باتجاه صفه كان الباب مغلق! ركض نحو تلاميذه، فتح الباب وكانت الفاجعة .. جدار الصف تهدم .. الكراسي باتت شظايا .. والأحمر يصبغ الأرض والسقف .. هنا كان يجلس أحمد، وهناك كان يجلس عيسى .. بقربه كان علي ويليه الياس، هذا دفتر حسين تلطخ بالدم يده ما زالت تقبض على الصفحات .. اقترب أكثر، رفع الدفتر .. قرأ:

درس اليوم كيف نحب الوطن، كيف نصون الوطن، كيف يحيا الوطن!!

بضع أسطر غابت وحضر الدم لتعود الكلمات وتأخذ مكانها: …. وسأكبر لأصبح أستاذ موسيقى، أحمل الحياة والحب والفرح لكل القلوب الحزينة.

بعد أسبوع؛ انتظمت الدراسة من جديد، أنقذوا ما يمكن إنقاذه، ودعوا الشهداء، اودعوهم آمنين في حضن الأرض؛ وعادوا للحياة.

دخل الأستاذ الصف حاملا مسجل وبعض الأشرطة، نظر في التلاميذ .. بعضهم معصوب الرأس، بعضهم ملفوفة يده .. وهذا مكان حسين خلا من حسينه لكنه حاضر لا يغيب .. اقترب تلميذ من الأستاذ وسأله: هل سنأخذ درسا اليوم يا أستاذ؟؟؟

نظر لطلابه، في عيونهم، قرأ أفكارهم، سمع ضجيج قلوبهم، فتح فمه ليتكلم، لكن … سرعان ما صمت!! بلع ريقه، أغمض عينيه، أخذ نفساً عميقاً، فتح عينيه ولمعة إصرار باتت تغالب دمعه، قال بكل قوة: نعم؛ درسنا اليوم:

كيف نحب الوطن، كيف نصون الوطن، كيف يحيا الوطن !!

فتح المسجل وضع الشريط، جاء صوت الموسيقى ينساب ليلمس الروح .. قال المعلم: أريد منكم أن تسمعوا اللحن وتكتبوا ما ترون من خلاله .. اكتبوا للوطن، للأهل، للأصحاب، للحق والخير، للحب .. اكتبوا عن الحرية عن الأمل الذي لا يموت .. اكتبوا عن الإرادة والتغيير .. اكتبوا عن ذاتكم .. اكتبوا أحلامكم فتصير حقيقة ..

رفع تلميذٌ يده وسأل: يا أستاذ ألم تعلمنا سابقا أن الموسيقى حرام؟؟ .. ألم تخبرنا أن الحب لا يكون إلا لله؟؟ ألم تقل لنا أن ما نراه في نومنا أو في هذياننا ما هو إلا أضغاث أحلام وأننا يجب أن نعمل ليومنا فقط؟؟

ابتسم الأستاذ ابتسامة حزن وأسى وقال: إن صوت الموسيقى وضحكة صبي وفتاة أحب إلى الله من صوت التكبير بالقتل باسمه .. وإن الحب الذي يجمع قلبين خيرٌ عند الله من حب شهوات تستباح به المحارم وتتزين به الخطايا تحت اسم حب الله .. وأما أحلامكم فما وهبكم الله إياها إلا لتكون نافذة الأمل لكم، لتكبر إرادتكم وطموحكم فتسعوا لتحقيق أهدافكم ولا تقعوا فريسة اليوم وسطوته ..ولا القهر وغلبته .. ولا الأمس وألمه، احلموا ولا تقبلوا بأقل من السماء سقفاً لأحلامكم!!